نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 804
فلما وصلت الطائرة مطار " عنيزة "؛ حال دون نزولِها السحاب الكثيف والأمطار الغزيرة التي لم تشهدها بلدان نجد مِن قبل، حيث استمرت الأمطار ما يزيد على أربعين يومًا لم ير الناس فيها الشمس! ولذا لم تستطع النزول في مطار " عنيزة "؛ فرجعت حيث أتت!!
ثم عادت الطائرة صباح الخميس لعلها تتمكن من الهبوط، لكنها تلقت المكالمة وهي في الجو بنبأ وفاته! فرجعت إلى الرياض.
وكانت وفاته قبيل فجر الخميس الموافق 23/ 6/1376هـ عن تسع وستين سنة قضاها في العلم والتعليم والتوجيه والتدريس والإمامة والخطابة والتأليف والإفتاء. وقد أخرت الصلاة عليه إلى صلاة الظهر لعل أحد أبنائه يدركه؛ فلم يتمكن منهم أحد نظرًا لبعد المسافة، ووجود الأجواء غير الطبيعية من الأمطار والسيول.
وقد صلى عليه خليفته عبد العزيز بن محمد البسام في الجامع الكبير في حشد كبير لم تشهد له " عنيزة " مثيلا من قبل، حيث اجتمع أهلها ومن جاورها من القرى والهجر والبوادي ومن علم بخبر وفاته، وشيع جثمانه إلى مقابر " الشهوانية " شمال " عنيزة "، ودفن هناك، وصلي عليه في مناطق كثيرة صلاة الغائب.
وقد تركت وفاته فراغًا كبيرًا؛ حيث كان المعلِّم والمرشِد والمفتي والموجِّه والناصح والمشير؛ يستفيد منه الصغير والكبير والرجال والنساء.
كانت له صدَقات جارية على أُسَرٍ فقيرة لم يُعلم عنها إلا بعد وفاته، ولقد دخلت أحاديثه كل بيت؛ فقَلَّ أن يوجد بيت في " عنيزة " إلا ولابن سعدي آثار عليه من قريب أو بعيد، ولا يزال ذِكره على الألسن، ومحبته في القلوب، وأحاديثه وإرشاداته وفتاويه هي حديث المجالس وأنس المحافل.
وصدق الشاعر:
فلو كان يُفدَى بالنفوسِ وما غَلا .. لَطِبْنا نفوسًا بالذي كان يطلبُ
تاسعًا: ثناء العلماء عليه:
كان ابن سعدي -رحمه الله- لا يحب الثناء من الآخرين عليه؛ ولذا كان ثناء طلابه ومحبيه عليه بعد وفاته؛ وذلك لِما عرفوه مِن كريم خصاله، وجميل فعاله، وعظيم سجاياه.
وحُق لرجل جمع بين العلم والورع والزهد والصدق والإخلاص والحرص على نفع الناس أن يثني عليه العلماء والفضلاء.
ولستُ -هنا- بصدد حصر مَن أثنوا عليه، وذكروه ببعض ما يستحق، لكنني أذكر طرفًا من أقوالهم ليستدل بها على الباقي.
1 - قال عنه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-:
" ... كان -رحمه الله- كثير الفقه والعناية بمعرفة الراجح من المسائل الخلافية بالدليل، وكان عظيم العناية بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، وكان يرجِّح ما قام عليه الدليل، وكان قليل الكلام إلا فيما تترتب عليه فائدة.
جالستُه غير مرة في مكة والرياض، وكان كلامه قليلا إلا في مسائل العلم، وكان متواضِعًا، حسن الخلق، ومن قرأ كتبه؛ عرف فضله وعلمه وعنايته بالدليل. فرحمه الله رحمة واسعة ".
2 - وقال عنه الشيخ عبد الرزاق عفيفي -رحمه الله-:
" ... فإن من قرأ مصنفاته -ابن سعدي- وتتبع مؤلفاته وخالطه وسبَر حالَه أيام حياته؛ عرف منه الدأب في خدمة العلم -اطلاعًا وتعليمًا-، ووقف منه على حُسن السيرة، وسماحة الخلُق، واستقامة الحال، وإنصاف إخوانه وطلابه من نفسه، وطلب السلامة فيما يجر إلى شرٍّ أو يفضي إلى نزاع أو شقاق. فرحمه الله رحمة واسعة ".
وقال لي بعض تلامذة الشيخ عبد الرزاق -رحمه الله- أنه كان يقول: "إن أقرب علماء الدعوة اسلفية في العصر الحديث شبهًا بشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم -رحمهما الله- في العلم والفقه والإدراك والتحليل والتفصيل والاستنباط والاستدلال: الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- ".
وقال: " ... عرفتُ فيه العالِم السلفي الذي فهم الإسلام الفهم الصادق وعرف فيه دعوته القوية الصادقة إلى الأخذ بكل أسباب الحياة العزيزة القوية الكريمة النقية ... ".
3 - وقال عنه شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-:
" ... إن الرجل قل أن يوجد مثله في عصره، في عبادته وعلمه وأخلاقه. حيث كان يعامل كلا من الصغير والكبير بحسب ما يليق بحاله، ويتفقد الفقراء؛ فيوصل إليهم ما يسد حاجتهم بنفسه، وكان صبورًا على ما يلم به من أذى الناس، وكان يحب العُذر ممن حصلت منه هفوة؛ حيث يوجِّهها توجيهًا يحصل به عذر مَن هفا ... ".
وكنتُ دائمًا أسمعُ ثناء شيخنا على شيخه ابن سعدي -رحمهما الله- في ديانته وإخلاصه، وعلميته المتميزة، وفقهه، وصبره واحتسابه مع ذكره لآرائه والتعويل عليها، وتأثره به في حياته وأخلاقه، بل وحتى في بعض حركاته.
وقال لنا شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله- في إحدى الدروس: كان خطي في الكتابة في بداية حياتي يختلف عن خطي الحالي؛ وما ذاك إلا لأنني ذهبتُ أقلد خط شيخي؛ فصار كما ترونه الآن!
هذا إضافة إلى ما يكنه شيخنا -رحمه الله- من محبة كبيرة للشيخ ابن سعدي -رحمه الله-.
4 - وقال عنه الشيخ محمد حامد الفقي -رحمه الله-:
" ... عرفتُ الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي من أكثر من عشرين سنة. فعرفت فيه العالِم السلفي المدقِّق المحقق الذي يبحث عن الدليل الصادق، وينقب عن البرهان الوثيق؛ فيمشي وراءه لا يلوي على شيء ".
تمت
والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــ
* نقلت الترجمة من مقدمة تحقيق كتاب " القواعد الفقهية " للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله-، والذي قام بتحقيقه: د. سليمان أبا الخيل (بتصرف يسير).
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 804