عقيدة أهل السنة والجماعة مبنيَّةٌ على الدليل من كتاب الله عز وجل وسُنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وما كان عليه صحابتُه الكرام رضيَ اللهُ عنهُم وأرضاهم، فهي صافيةٌ نقية، واضحة جلية، ليس فيها غموض ولا تعقيد، بخلاف غيرِهم الذين عوَّلوا على العقول، وتأوَّلوا النُّقول، وبَنَوا مُعتقداتِهم على علم الكلام المذموم الذي بيَّن أهلُه الذين ابتُلوا به ما فيه من أضرار، وندموا على ما حصل منهم من شغل الأوقات فيه من غير أن يظفروا بطائلٍ، ولا أن يصِلوا إلى حقٍّ، وفي نهاية أمرِهم صاروا إلى الحيرةِ والنَّدم، فمنهم من وُفق لتركِه واتِّباع طريقة السلف، وجاء عنهم عيبُ علم الكلام وذمُّه.
فأبو حامدٍ الغزالي -رحمهُ الله- من المتمكِّنين في علم الكلام، ومع ذلك: فقد جاء عنه ذمُّه؛ بل والمبالغةُ في ذمِّه، ولا ينبِّئكَ مثلُ خبير.
جاء ذلك عنهُ في كتابِه "إحياء علوم الدِّين"؛ حيث بيَّن ضرره وخطرهُ؛ فقال - (ص91 - 92) -: (أما مضرتُه: فإثارةُ الشبهاتِ، وتحريكُ العقائد وإزالتُها عن الجزم والتَّصميم؛ فذلك مما يحصل في الابتداء، ورجوعُها بالدَّليل مشكوكٍ فيه، ويختلف فيه الأشخاص؛ فهذا ضررُه في الاعتقاد الحقِّ.
وله ضررٌ آخرُ في تأكيد اعتقادِ المبتدعةِ للبِدعة، وتثبيته في صدورهم؛ بحيثُ تنبعثُ دواعيهم، ويشتدُّ حرصُهم على الإصرارِ عليه، ولكن هذا الضَّرر بواسطة التعصُّب الذي يثورُ من الجدل).
إلى أن قال:
(وأمَّا منفعتُه (!): فقد يُظن أن فائدتَه كشفُ الحقائق ومعرفتُها على ما هي عليه، وهيهات!!
فليس في الكلام وفاءٌ بهذا المطلبِ الشَّريف، ولعل التَّخبيط والتضليلَ فيه أكثر من الكشفِ والتَّعريف ...).
يتبع -إن شاء الله-
(*) مِن فوائدِ العلامةِ عبدِ المُحسِن العبَّاد -حفظهُ اللهُ- في مقدِّمة كتابهِ "قَطف الجنَى الدَّاني"، وتَحديدًا: الفائدة السَّابعة.
ـ[أم محمد]ــــــــ[22 - 11 - 2011, 02:19 ص]ـ
... بيَّن شارحُ الطَّحاوية أن السلفَ كرهوا علمَ الكلامِ وذمُّوه؛ (لاشتمالِه على أمورٍ كاذبةٍ مُخالفةٍ للحقِّ، ومِن ذلك مخالفتُها للكتابِ والسُّنَّة، وما فيه من علوم صحيحةٍ، فقد وعَّروا الطريق إلى تحصيلِها، وأطالُوا الكلامَ في إثباتِها مع قلةِ نفعِها، فهي لحمُ جملٍ غثٍّ على رأسِ جبلٍ وعرٍ، لا سهلٌ فيُرتقَى، ولا سمينٌ فيُنتقل، وأحسنُ ما عندهم فهو في القرآنِ أصحُّ تقريرًا وأحسن تفسيرًا، فليس عندهم إلا التكلفُ والتطويل والتعقيد).
إلى أن قال: (ومن المحال أن لا يحصلَ الشفاءُ والهدى والعلمُ واليقين من كتاب الله وكلامِ رسوله، ويحصلُ من كلام هؤلاء المتحيِّرين!!
بل الواجب أن يجعل ما قاله اللهُ ورسولُه هو الأصل، ويتدبَّر معناه ويعقله، ويعرف برهانَه ودليلَه -إما العقلي، وإما الخبَري السَّمعي-، ويعرف دلالتَه على هذا وهذا، ويجعل أقوال الناسِ التي توافقهُ وتُخالفُه متشابهة مُجملة، فيقال لأصحابِها: هذه الألفاظ تحتمل كذا وكذا، فإن أرادوا بها ما يوافقُ خبر الرسول؛ قُبل، وإن أرادوا بها ما يُخالف؛ رُدَّ).
يتبع -إن شاء الله-
ـ[(أبو إبراهيم)]ــــــــ[22 - 11 - 2011, 12:36 م]ـ
جزاك الله خيرا يا (أم محمد) على هذه النقول الطيبة ..
ولا أريد أن أقطع حديثك القيم هذا، لكن بما أن بعض الجلساء أثار مسألة متعلقة بهذا الحديث أحببت أن أعلق عليها باختصار، فأقول:
لا يعترض على (ذم الكلام وأهله) بصنيع بعض علماء أهل السنة من سلوكهم سبيل المتكلمين في بيان بعض مسائل العقيدة، والرد على شبه أهل الضلال، لأن عذرهم في ذلك أنهم ما فعلوا ذلك اختيارا، وإنما ألجئوا إليه، وذلك أن أهل الضلال لا يسلمون بصحة أية مسألة وإن كان عليها ألف دليل من الكتاب والسنة، حتى يكون عليها دليل من (الكلام)، فإنهم يزعمون أن الأدلة العقلية (من الكلام والمنطق) أدلة قطعية، بخلاف الأدلة السمعية (من الكتاب والسنة) فهي على زعمهم أدلة ظنية تحتمل أكثر من معنى، فإن أتيت المبتدع بألف آية أو حديث أوَّل كل ذلك على ما يوافق مذهبه، فكان لابد من سلوك مسلكهم في الاستدلال، فإن من أصول المناظرات الاتفاق في طرق الاستدلال حتى يكون الدليل صحيحا سالما من الاعتراض.
ولذلك أكثر بعض علماء أهل السنة من الاستدلال بالكلام على إثبات بعض المسائل العقدية، وذلك في معرض الرد على المخالفين، كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فإنه رحمه الله تعالى ما تعلم (الكلام والمنطق) وخاض فيه وأطال، إلا ليرد به على من لا يسلم إلا له، ولم يفعل ذلك في إثبات شيء من العقيدة ابتداء.
والله تعالى أعلم.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 685