نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 439
نبَّه أهلُ العلمِ -ها هُنا- إلى أنَّ هذا الوصفَ -وإن كان وصفَ مدحٍ وثناءٍ وتكريمٍ وإطراءٍ- إلا أنَّه لا يختصُّ به معاوية -رضيَ اللهُ-تعالَى-عنهُ-؛ وإنما هذا الوصفُ يوصَف به كلُّ مَن كان حالُه حالَه؛ كابنِ عُمر -رضيَ اللهُ-تعالَى-عنهُ-؛ فأُختُه حفصة، وكأبناء أبي بكرٍ -رضيَ اللهُ-تعالَى-عنهُ-؛ فأختُهم عائشةُ، وهكذا.
إذن: الوصفُ بِكونِه خال المؤمنين ليس وصفًا خاصًّا به، وإن كان هو الأشهرَ، وهو الذي ذكرَه امتِداحًا له، وثناءً عليه، وإطراءً له- أئمةُ السُّنَّة كالآجرِّي في «الشَّريعة»، وابن قدامة في «لُمعةِ الاعتقاد»، حتى الإمام أحمد -رحمهُ اللهُ- تعالى في كتاب «السُّنَّة» للخلاَّل نُقل عنه ذِكرُ معاوية -رضيَ اللهُ عنهُ- بالثَّناءِ عليه بوصفِه (خالَ المؤمنين).
قال:
((وكاتِبِ الوَحي)):
وهذا مِن المعروف والمشهور عنه -رضيَ اللهُ عنهُ-؛ بل في «صحيحِ مُسلم» ما يُشير إلى هذا المعنى.
وهنا نقطةٌ مهمَّة -يخطئ فيها كثيرٌ من النَّاس-: بعضُ النَّاس لا يُفرِّقون بين كُتَّاب النَّبيِّ وكُتَّاب الوحي.
فكُتَّاب النَّبي مأمونونَ -لا شكَّ، ولا ريب-، ولولا كونُهم مأمونين؛ لما اختارهم الرَّسول الكريم -صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّم-.
لكنَّ كُتَّاب الوحيِ هم الأكثرُ ائتِمانًا وأمانةً وثِقةً؛ لأنَّهم -والحالةُ هذه- مُؤتَمنون على كلامِ الله؛ بينَّما كُتَّاب النَّبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- هم الذين كانوا يَكتُبون رسائلَه النَّبويَّة.
لكنْ هؤلاء يكتُبون الوحيَ.
فكانت كتابةُ الوحيِ مَحدودةً في أفرادٍ مِن الصَّحابة، ائتَمنَهم رسولُ الله -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-؛ لِما كانوا عنده مِن كونِهم يَعرفون الكتابةَ -أولًا-وهذا قليلٌ في العرب-يومئذٍ-؛ لأنهم أمَّةٌ أميَّة؛ {هُو الذي بَعَثَ في الأميِّين رسولًا منهم} -.
والأمر الثَّاني: لأنَّهم موضعُ ثِقته وأمانتِه -صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّم-.
قال:
((وتذكُر فضائلَه، وتَروي ما رُوي فيه عن رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-)):
وهذا ليس خاصًّا به -أي: بِمعاويةَ -رضيَ اللهُ عنهُ-؛ وإنما هو عامٌّ بسائر الصَّحابة -رضيَ اللهُ عنهُم-.
لكن لماذا يُخصِّص أهل السُّنَّة -مثلًا- معاوية؟
مثلًا معاوية: كتبَ في فضائِله كثيرٌ مِن أهل السُّنَّة:
الإمامُ ابن أبي عاصم له جزءٌ حديثيٌّ: «فضائل مُعاوية بن أبي سُفيانَ».
السَّقَطي له «فضائل مُعاوية بن أبي سُفيانَ».
غلام ثعلب له «فضائل مُعاوية بن أبي سُفيانَ».
العلامة ابن الهيتَمي ... له كتاب لطيف سماهُ: «النَّاهية عن الطَّعن بأميرِ المؤمنين معاويةَ -رضيَ اللهُ-تعالى-عنهُ وأرضاهُ-».
وهكذا لا يزال أهلُ السُّنَّة -مِن أهل العلم- يُؤلِّفون في فضائل معاويةَ، ويَروُون فضائلَه، ويفتخِرون بها، لماذا؟
لأن الشِّيعة الشَّنيعةَ ضادَّتْ مُضادَّةً -رأسًا لقدمٍ، وعكسًا بعكسٍ- أهلَ السُّنَّة في فضل معاوية، فكلُّ فضيلةٍ لِمعاوية قَلَبوها وجعلوها سببَ طعنٍ، وطريقَ إفكٍ يَطعنون به -رضيَ اللهُ-تعالى-عنهُ وأرضاهُ-!
أمَّا أهل السُّنَّة فهم يفتَخِرون بِهذه الفضائل، لكن أهل السُّنَّة السَّنيَّة الذين هُم على حقٍّ وعلى صوابٍ هم الذين يَروون الفضائلَ الثابتةَ الصَّحيحةَ، ولا يَفعلون كما يفعلُ كثير من النَّاس في روايةِ أيِّ فضيلة -حتى ولو لم تصحَّ عن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
ومن باب الأمانة العلميَّة: ذكر أهلُ العلم، أو (بعضُ) أهل العلمِ -حتى أكونَ دقيقًا- أنَّه لم يصحَّ في فضلِ معاويةَ -رضيَ الله عنهُ- فضيلةٌ (خاصَّة).
لكنْ: كونُه مِن الصَّحابةِ؛ هذه أعظمُ فضيلة.
كلُّ فضيلةٍ تندرجُ تحت هذه الفضيلةِ، وهذه الفضيلةُ لا تندرجُ تحت أيِّ فضيلةٍ أخرى.
فكونُه نال شرفَ الصُّحبة وفضلَها؛ أكرِم بها مِن نعمة! وأعظِم بِها مِن فضيلة!
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 439