نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 390
من أن يستحر القتل ويشتد في القرَّاء؛ فيذهب القرآن الذي كان محفوظاً في صدورهم بذهابهم وموتهم. لذلك بادر أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلى رأسهم أبو بكر وعمر إلى جمع القرآن، وهذا يؤكد هذه القاعدة المعروفة عند علماء الأصول: (ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب). فالمحافظة على القرآن أمر واجب، فإذا لم يبادروا إلى جمعه -كما فعلوا- يكونون عندها قد ساعدوا على إضاعة الواجب؛ فيكونون مسئولين، وهذا هو الأمر الظاهر، ولكن هناك أمر يظهر لبعض المتأملين في بعض نصوص القرآن الكريم، من ذلك قول رب العالمين في أول سورة البقرة: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1 - 2] (ذلك الكتاب) فالله عز وجل أشار في هذه الآية إلى أن هذا القرآن كتاب، وهو حينما كان مبعثراً في الصحف، والرقاع، والعظام، ونحو ذلك؛ لا يطلق عليه حين ذاك أنه كتاب، فهو أشار إلى أنه ينبغي أن يكون هذا القرآن محفوظاً ومسجلاً في كتاب، وهذا ما فعله الصحابة الكرام، فلا يصح أن يطلق على جمع القرآن أنه بدعة، وأنه أول بدعة ظهرت في الإسلام، فهذا خطأ فاحش وكبير جداً، وأنا أقرب لكم هذا بمثال لعله أوضح من هذا، أي: إنه أمر حدث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن لا يصح أن نسميه بدعة إطلاقاً؛ لأن حدوثه كان بإذن من الشارع الحكيم.
تعلمون أنه جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر عنوة أعطاها لليهود على أن يعملوا فيها، فيكون لهم النصف وللرسول صلى الله عليه وسلم النصف، واتفق هو وإياهم على أنه أقرهم فيها، قال: (نقركم فيها ما نشاء) هذا كان من شروط الاتفاق على أن يبقى اليهود في خيبر يعملون في نخيلها، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واليهود في خيبر، وجاء أبو بكر وتوفي واليهود في خيبر، وجاءت خلافة عمر، ومضى ما شاء الله من خلافته وهم في خيبر، ثم بدا لعمر أن يخرجهم فأخرجهم طرداً، وأذن لهم أن يأخذوا ما خف من حوائجهم، هذا الإخراج -كما ترون- وقع بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد أبي بكر، فهل هذه بدعة في الدين؟ الجواب: لا. لم؟ لسببين اثنين: ذكرت الأول منهما: وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (نقركم فيها ما نشاء)، فهذه المشيئة انتهت حينما رأى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أن يخرجهم. والأمر الثاني: قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أخرجوا اليهود من جزيرة العرب)، فإذاً عمر عندما أخرج اليهود من خيبر، إنما نفذ طرفاً من هذا الأمر النبوي: (أخرجوا اليهود من جزيرة العرب)، فالذي نفذ طرفاً من أمر الرسول أيكون قد أحدث في الدين؟ حاشا لله رب العالمين! ليس هناك إحداث، وإنما هو في الواقع شيء جديد، ما كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولكن هذا الذي جد له دليله من السنة، كما رأيتم في الحديث في صحيح البخاري، وفي الحديث الآخر: (أخرجوا اليهود من جزيرة العرب) وكان هذا مما وصى به الرسول صلى الله عليه وسلم أمته وهو في مرض موته. إذاً: فإخراج عمر لليهود من جزيرة العرب لا يصح أن يقال: إنه بدعة، حتى ولو بعبارة بدعة حسنة، عند من يقول بتقسيم البدعة إلى خمسة أقسام؛ لأنه نفذ أمراً نبوياً، وهذا واجب وليس بدعة.
من هذا القبيل ما يكثر إيراده من القائلين بالتقسيم للبدعة إلى حسنة وسيئة: صلاة عمر بن الخطاب، أو أمر عمر بن الخطاب أُبي بن كعب أن يصلي بالناس إماماً في صلاة التراويح، وقول عمر بن الخطاب في هذه المناسبة: [نعمت البدعة هذه] يحتجون -أيضاً- بهذه الحادثة على أن هناك في الإسلام بدعة حسنة، والجواب هو عين الجواب عن إخراج عمر لليهود من جزيرة العرب، فعمر لم يبتدع شيئاً في الإسلام إطلاقاً، وإنما نفذ أمراً قديماً. كذلك لما صلى، أو أمر أُبي بن كعب أن يصلي بالناس إماماً، لم يأت بشيء جديد؛ لأن هذه الإمامة شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه في الليالي الثلاث التي قرأتموها في صحيح البخاري، ثم ترك ذلك عليه الصلاة والسلام لعلة: (إني خشيت أن تكتب عليكم)، ثم زالت هذه العلة بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أتم الله عز وجل الدين، فلم يبق هناك مجال لتشريع أحكام جديدة، ومن أجل زوال العلة رجع عمر بن الخطاب فأحيا تلك السنة، لا سيما وهناك حديث من قوله
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 390