وأما قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدَىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ)، ففي هذه الآية ذكر أنه هدى للناس عامة ولم يقل للمؤمنين، فالقرآن فيه هداية للناس وإرشاد لهم إلى سبيل الحق والخير، لكن لا ينتفع به إلا من آمن به واتبع هدايته.
فالقرآن تذكرة وعبرة لمن يخشى اللهَ والدارَ الآخرة، قال تعالى: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ)، وقال تعالى: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى. إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى)، وقال سبحانه: (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ) أي إنما ينفع إنذارك من خشي الله تعالى.
قال تعالى: (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيَّاً)، فلا ينتفع بالقرآن وإنذاره إلا مَنْ كان حيَّ القلب والبصيرة.
وبعد أن عرفتَ هذا، فاختر لنفسك أي الفريقين تريد أن تكون؟ فليس بينك وبين أن يكون القرآنُ هدايةً لك ورحمةً وشفاءً إلا أن تتدبر آياته وتعمل بها وتهتدي بهدي القرآن.
..........
2ـ القرآن فيه الحياة
القرآن رُوح وحياة للناس، فالقرآن فيه الحياة، فأنت بالقرآن حيٌّ وبدونه ميت، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتَاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}، وكيف لا يكون فيه الحياة وقد وصف الله سبحانه القرآن بأنه رُوح فقال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحَاً مِنْ أَمْرِنَا}، وقال: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}، وقال تعالى: (يُنَزّلُ المَلَائِكَة َ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ)، وهل يمكن للإنسان أن يعيش بدون روح؟ فالقرآن هو الرُّوح والحياة للإنسان، فكما أنَّ الجسد بدون الروح هو جسد ميت لا يوصف بالحياة، كذلك القلب لا يحيا بدون روح الوحي الذي فيه نفع العباد ومصلحتهم في الدنيا والآخرة.
وقد بيَّن الله سبحانه أنَّ في طاعته وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام الحياةَ الحقيقيةَ فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، ففي القرآن: الحياةُ والنجاةُ والعصمةُ، وإنما سمِّي القرآن بالحياة؛ لأنَّ القرآنَ سببُ العلم، والعلم حياة، فجاز أن يسمى سبب الحياة بالحياة.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 376