نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 37
13ـ يأتي بعضهم بألفاظ عائمة وعبارات فضفاضة، ولا يشرح مقصوده ومراده بشكل واضح ودقيق، حتى إذا جاءه مَنْ يحاوره في كلامه ويلزمه به، استطاع أن يتنصل من كلامه ويخرج منه ولا يتحمل عاقبته ..
فهو لهذا لا يحب الوضوح والصراحة، ولكنه يحب الغموض والضبابية في التعبير ..
أما أصحابُ المبادئِ فهم حريصون على إيصال رسالتهم بأوضح طريقة وأيسر سبيل حتى يفهمها أكبر عدد ممكن، وهم مستعدُّون لتحمل تبعاتها ونتائجها مهما كانت كبيرة ..
14ـ ما أحوجَ الباحثَ إلى الشجاعةِ الأدبية، ـ وهي أنْ يقولَ الإنسانُ ما يعلمه مِنَ الحقائق أو ما توصَّل إليه اجتهاده، من غير خوف ولا مداهنة لأحد من الناس ـ، وهذه الشجاعة الأدبية ليست أقل أهمية من الشجاعة في الحروب والمعارك!
فالشجاعة الأدبية قد تستجلب أعداء كثيرين يحاولون الإساءة إلى قائل ذلك الكلام.
وبالشجاعة الأدبية يَعرفُ الناسُ الحقيقةَ بشكلٍ واضح ولا تلتبس عليهم الحقائق.
وإذا عرفوا الحقيقة على ما هي عليه استطاعوا أن يجعلوا سلوكهم سليماً، فالفكرُ السليمُ هو الطريقُ إلى السلوكِ السليم.
وكثيرٌ من الانحرافات السلوكية سببها: الانحراف في الفكر والمفاهيم عند الإنسان ..
فالمصيبةُ التي تحدث كثيراً أنْ يعرفَ أناسٌ الحقيقة ولا تكون عندهم الشجاعة لقولها، ويكون عند آخرين الشجاعة ولكن ليس عندهم الحقيقة، فتضيع الحقيقةُ بين عالم بها وخائف من قولها، وبين شجاع ولكنه جاهلٌ بها!
فخير الناس من اجتمع عنده:
ـ سلامة القصد ـ ومعرفة الحقيقة ـ والشجاعة لذكرها ..
15ـ متى رأيت باحثاً أو عالماً قد كثر أعداؤه والمتحاملون عليه، فاعلم أنه بعيد عن التعصب لجماعته أو مذهبه، وأنه لا يفعل إلا ما يمليه عليه ضميره، ولا يقول إلا ما وصل إليه اجتهاده، ـ ولكل قاعدة استثناءات ـ
فما أكثرَ الكارهين للنقد والإصلاح، وما أكثرَ العاشقين لتعصُّبِهم وأخطائهم ..
16ـ تلاميذ المصلحة: يلوم الناس كثيراً (أصدقاء المصلحة)؛ لأنهم يصادقون الآخر لالتماس مصلحتهم منه فقط، ولا يحبونه محبة صادقة، فيَظْهَر زَيْفُ محبَّتِهم عند أول اختبار وامتحان ..
ولكنْ هناك أيضاً فريق آخر هو أحقُّ باللوم منهم، وهم (تلاميذ المصلحة)، الذين يريدون من أستاذهم أو شيخهم أنْ يوافقَهم في آرائهم، فإذا تكلَّم بما يخالفهم هجروه وناصبوه العداء ..
نعم لا مانع أن يختلف أحد مع أستاذه، لكن أن يكون ذلك مع الاحترام والتقدير له ولرأيه، أما من يعادي لأجل هذا الاختلاف فهو من (تلاميذ المصلحة) ..
وهم أسوأ من أصدقاء المصلحة؛ لأنهم قاموا بمعاداة من له فضل عليهم، وتنكروا له لمجرد الاختلاف اليسير، وقد يكونون هم
المخطئين في رأيهم ..
17ـ السبب في سعة العلم مع ضيق العقل والنَّظَر:
عندهم من الثقافة والاطلاع الشيء الكثير، لكن هذه الثقافة لم تجعلهم على قدر كبير من الانفتاح وسعة العقل وبُعْد النظر، بالقدر الذي يتناسب مع ذلك العلم ..
وذلك لأنهم أحاطوا أنفسهم بأسوار وسياجات كثيرة، وجعلوا حدودها ضيقة، واعتبروها قطعية لا تقبل الاختلاف أو إعادة النظر فيها ..
فأصبحت هذه السياجاتُ سداً منيعاً يحول دول الاستفادة من زيادة العلم.
18ـ الجمع بين النصوص والمقاصد:
هناك من يأخذون بالنصوص بعيداً عن فهمها والنظر في مقاصدها، وهناك من ينظرون في المقاصد ولا يهتمون بالنصوص ..
ولا بد من الجمع والتوازن بين الأمرين، فالنصوص تُؤخَذ مع النظر في مقاصدها، والمقاصد تستند إلى النصوص وتؤخذ منها ..
فالأخذ بالنص من غير فهمه فهماً سليماً ليس أقل ضرراً من تركه؛ لأنه ينسب إلى النص معنى غير صحيح، وقد يسيء إلى الإسلام بذلك الفهم المغلوط.
فمعنى النظر في النصوص والمقاصد: هو النظر في مجموع الأدلة وليس الاقتصار على دليل واحد وترك غيره من الأدلة، فالأخذ بالمقاصد ليس تركاً للأدلة لأن المقاصد لها أدلتها من القرآن والسنة والإجماع والقياس وغير ذلك ..
19ـ الرأي والفكر لا بد أن ينضج على نار هادئة:
بعض الكتابات مثل القهوة المُرَّة، فهي شديدة التركيز، لا يستطيع الإنسان أنْ يشربَ منها الكثير ..
وهي كتابات مُنَبِّهة مثل القهوة أيضاً، تُبْعِدُ الإنسانَ عن النوم، وتوقظه من السُّبَات العقلي والفكري ..
وحتى تُعَدّ هذه القهوة بشكل جيد لا بد أنْ تبقى فترة على نار هادئة ..
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 37