نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 344
وقد روى أهل التفسير عن ابن عباس –رضي الله عنها- في تفسير الآية، قال: (وذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا واشتدّ سلطانهم، أنزل الله تبارك وتعالى بعد هذا في الأسارى: [فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً] {محمد:4}؛فجعل الله النبيَّ –صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار، إن شاءوا قتلوهم، وإن شاءوا استعبدوهم، وإن شاءوا فادَوْهم) ([11] (http://www.ahlalloghah.com/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=33176#_ftn11)).
أي: أن النبي –صلى الله عليه وسلم-في قضية الأسرى- اختار أولًا ما كان أسهل وأيسر؛ لأنه –صلى الله عليه وسلم- ما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، لكن الأصلح للمسلمين في ذلك الوقت أن لا يكون لهم أسرى حتى يُثخِن في الأرض ثم خُيّر بعد ذلك بين الفداء، أو القتل، أو ما فيه مصلحة للمسلمين، قال تعالى: [فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الحَرْبُ أَوْزَارَهَا] {محمد:4}.
قال الشنقيطي رحمه الله: "وأكثر أهل العلم يقولون أن الآية ليست منسوخة، وأن جميع الآيات المذكورة محكمة؛ فالإمام مخيّر وله أن يفعل ما رآه مصلحة للمسلمين، من منّ وفداء وقتل واسترقاق" ([12] (http://www.ahlalloghah.com/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=33176#_ftn12)).
والمقصود أن أيَّ تخيير مع الكفار ينبغي أن يكون مبناه على المصلحة، وأنّ هذا التخيير من خاصّية الإمام ومنوط به، وهو في اختياره هذا يكون مجتهدًا؛ إذ الأصل أن تصرفات الإمام منوطة بالمصلحة ([13] (http://www.ahlalloghah.com/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=33176#_ftn13)).
وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن الإمام إذا خُير في الأسرى بين القتل والاسترقاق والمن والفداء؛ فعليه أن يختار الأصلح للمسلمين فيكون مصيبًا في اجتهاده حاكمًا بحكم الله، ويكون له أجران، وقد لا يصيبه فيثاب على استفراغ وسعه ولا يأثم بعجزه عن معرفة المصلحة" ([14] (http://www.ahlalloghah.com/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=33176#_ftn14)).
وهناك أمور ينبغي على ولي الأمر أن يغلب فيها جانب العقاب والزجر؛ إذ لا تظهر المصلحة في بعض أنواع الانتصار إلا بالمعاقبة والردع؛ كسبِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وشتمه؛ لأن " ضرر السب في الحقيقة إنما يعود إلى الأمة بفساد دينها وذل عصمتها وإهانة مستمسكها؛ وإلا فالرسول صلوات الله عليه وسلامه في نفسه لا يتضرر بذلك" ([15] (http://www.ahlalloghah.com/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=33176#_ftn15)).
وقد ظهر من هذين الأصلين أن الدفاع الممدوح عن نبي الرحمة محمد -صلى الله عليه وسلم- شرعا وعقلا - يكون بالشجاعة والسماحة واستطلاب المصلحة ... وفق الله تعالى أئمة المسلمين وحكامهم للاتصاف بهذه الخصال، وأعانهم على القيام بواجب النُّصرة لله وللرسول -صلى الله عليه وسلم-، وفتح عليهم من أسباب طاعته ومرضاته.
فإن قيل: إنه قد يتعذر- في وقتنا الحاضر - في بعض البلاد والأمصار وجود أئمة يقومون على أمر الدين – نصرةً وجهاداً – في وقت قد تكالبت فيه قوى الشّر على نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- بالطعن والاستهزاء؛ فما الحل للخروج من هذا المأزق؟
فالجواب أن يقال:
إن إحسان الظن بأئمة المسلمين وحكامهم مطلوب على الدوام؛ ففي الأمة خيرٌ كثير وعطاءٌ وفير , لكن يحتاج إلى تفعيل وتثوير؛ كما أخبر الصادق الأمين: [مثلُ أمتي مثلُ المطر، لايُدْرى أوّله خيرٌ أم آخره] ([16] (http://www.ahlalloghah.com/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=33176#_ftn16)).
وعند تعذر الكمال فيصار إلى الأمثل فالأمثل منهم، ثم إذا تعذر الكمال في آحادهم، فقد يعوّض بتعاون المجموع واجتماعهم على كلمة سواء.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
ـــــــــــ
([1]) تيسير الكريم الرحمن (759).
([2]) مجموع الفتاوى (28/ 180).
([3]) البخاري برقم (3822).
([4]) عند أحمد في المسند برقم (14401)، والبيهقي في دلائل النبوة برقم (1272).
([5]) فتح الباري (7/ 426 - 427).
([6]) انظر: الفروق، للقرافي (3/ 33 ـ37).
([7]) البخاري برقم (3367)، مسلم برقم (2327).
([8]) انظر: فتح الباري، لابن حجر (6/ 575).
([9]) انظر: شرح النووي على مسلم (15/ 83).
([10]) الفروق، للقرافي (3/ 33).
([11]) رواه الطبري في تفسيره برقم (16286)، وابن أبي حاتم في تفسيره برقم (9155).
([12]) أضواء البيان، للشنقيطي (7/ 248 ـ249).
([13]) انظر: قاعدة (تصرفات الإمام منوطة بالمصلحة) في الأشباه والنظائر، للسيوطي (ص121).
([14]) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (34/ 116).
([15]) الصارم المسلول (3/ 842).
([16]) الترمذي في السنن برقم (2869) , وابن حبان في صحيحه برقم (7226)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2286).
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 344