نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 327
وقد أنكر الله تعالى على أهل الكتاب أشدّ الإنكار ووبخهم لما امتنعوا عن الانتصار لرسلهم في حال الضرورة والحاجة؛ فقال تعالى: [قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ] {المائدة:24}.
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله -:" فما أشنع هذا الكلام منهم, ومواجهتهم به لنبيهم في هذا المقام الحرج الضيق, الذي قد دعت الحاجة والضرورة فيه إلى نصرة نبيهم, وإعزاز أنفسهم. وبهذا وأمثاله, يظهر التفاوت بين سائر الأمم, وأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث قال الصحابة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين شاورهم في القتال يوم بدرمع أنه لم يحتم عليهم: يا رسول الله, لو خضت بنا هذا البحر, لخضناه معك, ولو بلغت بنا برك الغماد, ما تخلف عنك أحد. ولا نقول كما قال قوم موسى لموسى [فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ] , ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون, من بين يديك ومن خلفك, وعن يمينك, وعن يسارك" ([4] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=postthread&f=15#_ftn4)).
ومن شرط الإيمان بالشيء الدفاع عنه والثبات عليه؛ كما قال تعالى: [وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ] {آل عمران:146}.
قال أبو جعفر الطبري -رحمه الله -:" هلا فعلتم كما كان أهل الفضل والعلم من أتباع الأنبياء قبلكم يفعلونه إذا قتل نبيهم - من المضي على منهاج نبيهم، والقتال على دينه أعداءَ دين الله، على نحو ما كانوا يقاتلون مع نبيهم - ولم تهنوا ولم تضعفوا، كما لم يضعف الذين كانوا قبلكم من أهل العلم والبصائر من أتباع الأنبياء إذا قتل نبيهم، ولكنهم صَبروا لأعدائهم حتى حكم الله بينهم وبينهم" ([5] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=postthread&f=15#_ftn5)).
ثانياً: الانتصار للنبي -صلى الله عليه وسلم- حكم شرعي يوجد عند وجود سببه وتحقق شرطه وانتفاء مانعه.
الإذن بالدفاع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حكم شرعي له أسبابه وشروطه وموانعه؛ وهو على أنواع وصور، وله وسائل ومقاصد، وجميعه داخل في معنى الحكم الشرعي؛ فإذا وجد ما يقتضي الدفاع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لكنّ المانع كان أقوى وأولى اعتباراً -كما سنبينها في مبحث الضوابط الشرعية -؛ يكون الإمساك عن الدفع متعيّناً والاحتياط في التوقف أولى وأحرى؛ ويدفع المؤمن وقتئذٍ عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالقلوب الصادقة والأعمال الصالحة والأدعية الخالصة؛ إذ الأحكام الشرعية للنّصرة تتنوع بتنوع المصالح والأحوال والأوقات، وهي تقبل التفاوت والتبعيض والانقسام، ويشتغل الموفق في كل وقت بما هو واجب ذلك الوقت.
ومن الأدلة على اعتبار الأسباب والشروط وزوال الموانع عند الدفاع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما روى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: قال: «لما كان يومُ حُنين آثرَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ناساً في القسمة، فأعطى الأقْرَعَ بن حابِس مائة من الإِبل، وأعطى عُيينةَ بنَ حِصن مثل ذلك، وأعطى ناسا من أشراف العرب، وآثَرَهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: [والله إن هذه لَقِسمَة ما عُدِلَ فيها، ولا أُرِيدَ فيها وجهُ الله، قال: فقلتُ: والله لأُخْبِرنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فأتَيتُهُ فأخبرتُهُ بما قال، فتغير وجهه، حتى كان كالصِّرْف، ثم قال: فمن يَعدلُ إِذا لم يعدل الله ورسولُهُ؟ ثم قال: يرحم الله موسى، قد أُوذِيَ بأكثر من هذا فَصَبَرَ، قلتُ: لا جرم، لا أَرفع إِليه بعدَها حديثا] ([6] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=postthread&f=15#_ftn6)).
قال النووي - رحمه الله تعالى -:" فلعله -صلى الله عليه وسلم- لم يعاقب هذا القائل لأنه لم يثبت عليه ذلك وانما نقله عنه واحد وشهادة الواحد لا يراق بها الدم.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 327