الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد قرأت قبل مدة كتاب الشيخ محمود خليل الحصري في علم الوقف والابتداء، المسمى (معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء) فوجدته كتابا عظيم النفع، غزير الفائدة، يظهر فيه أثر مؤلفه في كثير من المسائل، ناقش فيها الأقوال الواردة، ورجح فيها غير المشهور بدليله، فأحببت أن أختصره لطلاب العلم، اختصارا يقرب معانيه، وييسر فهمه واستحضار مسائله.
وقد حرصت أن لا أحذف منه شيئا، وإنما أختصر عبارات المؤلف بما يؤدي الغرض دون إخلال بالمعنى، فإن المؤلف أحيانا يسترسل طويلا لإيضاح بعض المسائل وتقريبها للقارئ.
وإن حذفت شيئا نبهت عليه - إن شاء الله - وبينت سبب حذفي إياه.
وقد أقدم في الكلام أو أؤخر أحيانا لما أراه مناسبا من حيث الترتيب والتقسيم.
والكتاب - بحمد الله - مطبوع متداول، وهو متوفر - مصورا - في مكتبة الملتقى، ورجائي ممن يشرفني بقراءة هذا الحديث أن يتطوع أحدهم بمقابلة ما أثبته هنا بأصل الكتاب، ويبدي بعد ملاحظاته واستدراكاته، وله مني الشكر والثناء، والدعاء بخير الدنيا والآخرة.
وهذا أوان الشروع في المقصود، والله المستعان وعليه التكلان.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله (1)، وبعد:
وردة1فإن القرآن الكريم منذ نزوله محط أنظار العلماء، وموضع عنايتهم، استفادوا منه علوما كثيرة وفنونا غزيرة، فتعددت جهات نظرهم إليه:
ـ فمنهم من نظر في ضبط ألفاظه وتصحيح كلماته، وتحقيق رواياته.
ـ ومنهم من نظر في معربه ومبنيه، وتخريج وجوهه العربية.
ـ ومنهم من عني بأسرار بلاغته، وضروب فصاحته، وبدائع أساليبه.
ـ ومنهم من اهتم بحل ألفاظه، وتفسير تراكيبه وجمله.
ـ ومنهم من اعتنى بوقوفه وأنواعها، واستنباط عللها وأسرارها، فإن معرفة ذلك سبيل لجودة التلاوة وإتقانها، وسبيل لفهم معاني القرآن على وجهها، فكان حتما على القارئ أن يعرف ما يصح الوقوف عليه ويحسن، وما لا يحسن فيه فيقبح، وما يصح الابتداء منه وما لا يصح.
وردة1ومن ثم كان للسلف عناية شديدة بهذا الباب من العلم المتعلق بكتاب الله تعالى، ومما ورد عنهم في ذلك من الآثار:
* ما نسب إلى علي رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: ? ورتل القرءان ترتيلا ? أنه قال: «الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف» اهـ
وفيه دلالة على وجوب تعلم الوقوف، إذ كان الترتيل الواجب لا يتحقق إلا به.
* وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «عشنا برهة من الدهر وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على النبي ?، فنتعلم حلالها وحرامها، وأمرها وزجرها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها» اهـ
وهذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتعلمون الأوقاف كما يتعلمون القرآن.
* وقال أبو حاتم: «من لم يعرف الوقف لم يعرف القرآن» اهـ
* وقال ابن الأنباري: «من تمام معرفة القرآن معرفة الوقف والابتداء؛ إذ لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن إلا بمعرفة الفواصل» اهـ
* وقال النووي: «الوقف في الصدر الأول من الصحابة والتابعين وسائر العلماء، مرغوب فيه من مشايخ القراءة وأئمة الأداء، مطلوب فيما سلف من الأعصار، واردة به الأخبار الثابتة، والآثار الصحيحة» اهـ
* وقال الإمام الهذلي: «الوقف حلية التلاوة، وزينة القارئ، وبلاغ التالي، وفهم المستمع، وفخر العالم، وبه يعرف الفرق بين المعنيين المختلفين، والنقيضين المتنافيين والحكمين المتغايرين» اهـ
وردة1وممن كانوا يعنون بهذا العلم من أئمة الإقراء: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وكان من أكابر التابعين، ونافع بن أبي نعيم، وأبو عمرو بن العلاء البصري، ويعقوب الحضرمي، وعاصم بن أبي النجود الكوفي – رضي الله عنهم أجمعين -.
وردة1وبلغ من عنايتهم بهذا العلم أن بعض أئمة هذا الشأن كان لا يجيز أحدا بالقراءة والإقراء إلا إذا عرف مواطن الوقف، ومواضع الابتداء.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 228