responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1776
أين أنتم أيها المحرومون يا من حرمتم أنفسكم روائع الأسحار، وجعلتموها مرتعاً لهتك الأستار، ومقاربة الحرام، تأملوا حال الناس في صلاة القيام في رمضان، وفي جلسة الاستراحة بالذات، فهذا يقرأ القرآن يرتله ترتيلا وهذا رافع يديه يدعو ربه ويرجوه، وآخر تجاهد عيناه الكرى، ورابع قبع في زاوية المسجد يبكي ويتضرع وكأنه قتل قتيلا، هذا يبكي لذنوبه، وهذا يندب لعيوبه، وهذا يتأسف على فوات مطلوبه، وذاك يعاتب نفسه على التقصير، وآخر يتفكر في هول المصير، وهكذا فهم في غاية الأنس وفي منتهى السعادة وفي منتهى اللذة، يعيشون في جنة الدنيا، يتفيأون ظلالها ويستنشقون نسائمها، نعم .. سل الليل عن الأحباب فعنده الخبر، وسل الأسحار عن الأسرار تظهر ما ستر، فأخبارهم أرق من نسيم السحر ..
إذاً شتان بين البطال والأبطال، أيها الساهر على الخنا والغناء .. اسمع لروائع الأسحار، فقد ذكر الإمام أحمد في الزهد قال: \"تمثل محمد بن نافع في السحر ببيت من الشعر، فرفع هرم بن حيان، رفع عليه هرم السوط وجلده على الظهر، قائلاً له: أفي هذه الساعة التي ينزل فيها الرحمن ويستجاب فيها الدعاء، تتمثل بالشعر؟! \" ..

رحمك الله يا هرم بن حيان، فكيف لو رأيت أهل هذا الزمان، وهم يقلبون قنوات الشيطان في وقت نزول الرحمن وعلى مسمع من القريب والجار فما من ناصح ولا منكر، فأين أنت وأين صوتك وأين هؤلاء ممن يتلحفون بظلام الليل ويستترون عن أعين الخلق في التمتع بالمحرمات، بالمحرمات واللذات، فلا تهنأهم الشهوات إلا بالظلمات، ولا يطيب لهم اللقاء مع السُمّار إلا في الأسحار ..
في ليلة عرضت وطال زمانها فالكل من أقطارها متباعد يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون) ..

المضاجع في الليل تدعو الجنوب للرقاد، وللراحة وللذة النوم، ولكنهم هجروا الفرش خوفاً وطمعاً فيأتي فضل الله وكرمه (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين، جزاء بما كانوا يعملون) ..
لكن كما قال ابن عباس:"الأمر أجل وأعظم من أن يعرف تفسيره"، ويقول ابن القيم رحمه الله: "تأمل كيف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي أخفاه لهم مما لا تعلمه نفس، وكيف قابل قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حين يقومون إلى صلاة الليل بقرة الأعين بالجنة" .. أسأل الله الكريم من فضله ..

ومن روائع الأسحار .. قول أبي بكر ابن عياش، قال: سمعت أبا اسحاق السبيعي يقول: \"ذهبت الصلاة مني وضعفت ورق عظمي وإني اليوم أقوم في الصلاة فما أقرأ إلا بالبقرة وآل عمران\" ..
لا إله إلا الله .. لما كبر سنه ورقَ عظمه لم يعد يقدر على القيام في الليلة الواحدة إلا بنحو أربعة أجزاء .. !
وكان رحمه الله قد ضعف عن القيام فكان لايقدر أن يقوم إلى الصلاة حتى يقام، فإذا أقاموه فاستتم قائماً قرأ ألف آية وهو قائم ..
همم الأحرار تحيي الرمم نفحة الأبرار تحيي الأمم

إن حياة النفس .. اسمعوها أيها الأحبة \"إن حياة النفس في السمو ونجاتها في العلو، ومثل القلب مثل الطائر كلما علا بَعُد عن الآفات وكلما نزل احتوشته الآفات\" كما يقول ابن القيم رحمه الله ..

ومن روائع الأسحار أيضاً ..
حديث أم سعيد بنت علقمة الطائية قالت: \"كان بيننا وبين داوود الطائي جدار قصير فكنت أسمع حنينه عامة الليل لا يهدأ، ولربما ترنم في السحر بشيء من القرآن، فأرى أن جميع نعيم الدنيا جمع في ترنيمه تلك الساعة .. وكان لا يسرج\" أي كان يصلي في الظلام ..
وهذا سفيان الثوري إذا أصبح مد رجليه إلى الحائط ورأسه إلى الأرض كي يرجع الدم إلى مكانه من طول قيام الليل ..
وكان يقول: \"إذا جاء الليل فرحت وإذا جاء النهار حزنت\" ..

أتاك حديث لا يمل سماعه شهي إلينا نثره ونظامه
إذا ذكرته النفس زال عناؤها وزال عن القلب المعنى ظلامه
أخي الحبيب ..
رياح الأسحار لا يستنشقها مزكوم غفلة .. فابسط لسان الاعتذار وأكثر من الاستغفار .. ولن تجد لهذا أرق من نسيم الأسحار فروائع الأسحار في كل وقت وخاصة في رمضان، وفي مواسم الطاعات فنفحات الخير تناديك وترجوك لا تقتل الليالي ولا تفسد جمالي، واسمع لحديث حسن في الطبراني: (إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها .. تعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبكم منها لفحة لا يشقى بعدها أبدا) ..
.. ومن روائع الأسحار ..

¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1776
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست