نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1630
وأيضا في قوله تعالى: ((وأنزلنا من السماء ماء طهورا)).
طهور: وصف. والأصل في الوصف أن يكون صفة كاشفة. أي: للاحتراز. فلو كان كل ماء طاهر طهورا مطهرا لغيره لصار قوله سبحانه وتعالى: ((طهورا)) حشوا.
ويؤيده ماجاء في حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - لما قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يارسول الله إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا, أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((هو الطهور ماؤه, الحل ميتتُه)).
وجه الاستدلال من الحديث:
أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لما سألوا عن ماء البحر وهو ماء في ظاهره ومحال أن يظنوا أنه نجس, لم يكتفوا بذلك, فدل على أنه استقر في أذهانهم أنه لا يتوضأ بكل ماء, بل لا بد من ماء مخصوص, وهو الباقي على أصل خلقته الذي لم يتغير, والبحر ماؤه متغير, فظنوا أن هذا التغير مؤثر في طهوريته.
فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه طهور وهي صيغة فعول من صيغ المبالغة, فدل جوابه صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة على زيادة معنى في ماء البحر وهو أنه مع كونه طاهرا في نفسه فهو أيضا مطهر لغيره, ولا يضر تغيره بقراره.
وأيضا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم سؤالهم على هذا الوجه الدال على التفريق بين نوعي الماء الطهور والطاهر, إذ كما ذكرنا أنه من المحال أن يظن الصحابة نجاسة الماء, وإنما بين لهم صلوات ربي وسلامه عليه أن الماء ما زال طهورا وأن تغيره بالقرار لا يؤثر في طهوريته, وبالله التوفيق.
المسألة الخامسة:
بناء على ما سبق بيانه فإن الماء الطاهر كما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في تعريف الطهور وبينا كلامه بأنه لا يُرفع به الحدث ولا يزال به النجس أيضا لأنه غير مطهر لغيره, وبالله التوفيق.
المسألة السادسة:
ذكرنا أن النجس عند أصحابنا - رحمهم الله تعالى - لا يطهر بالاستحالة, لكن يستثنى من ذلك عندهم الخمرة إذا تخللت بنفسها لا بفعل فاعل, فإنها تطهر والحالة هذه. وسيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
المسألة السابعة:
ذكر المؤلف أمثلة للماء المتغير بما لا يسلبه الطهورية وذكر معها مثالا للمسخن بالنجس وبين بأن هذه الأشياء لا تسلبه الطهورية بل هو طهور لكن يكره استعماله.
نقول: محل الكراهة فيما إذا وجد غيره فإن لم يجد غيره ارتفعت الكراهة, وكذا يقال: في الماء القليل المستعمل في طهارة مستحبة.
وذكرنا بأنهم قالوا بكراهته للخلاف, ونضيف أيضا: بأن مأخذ الكراهة عند أصحابنا - ولعله أوجه من الأول - هو كون هذا الماء مترددا بين الأصل وهو بقاؤه على الطهورية وبين كونه منتقلا عن الأصل, فأعطوه حكما بين حكمين, وهو الكراهة, لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)).
** فائدة:
إثبات قسم الطاهر كإثبات القياس, فقد يكون الأصل ثابتا ثم ينظر في التفريع.
فنحن نثبت هذا القسم ولكن نحصره بما دلت عليه النصوص, وكثرة الاختلاف والاضطراب لا تعني أن ننسف الأصل, بل يبقى الأصل ثم ينظر في التفريع بعد ذلك.
فالاختلاف في المفردات والآحاد هنا كالاختلاف في بعض الأقيسة التي يذكرها الفقهاء فيقال: هذا قياس صحيح وهذا قياس فاسد, وليس كل شروط القياس معتبرة عند علماء الأصول, بل بعضها موافق عليه وبعضها مردود على صاحبه, وهنا نقول: الطاهر ثابت لكن يحصر فيما دلت عليه النصوص, وما عداه فمحل نظر, وبالله التوفيق.
** ملحوظة: عزا الشيخ حمد - حفظه الله تعالى - القول بأن الماء قسمان: طهور وطاهر للمالكية, وهو وهم منه - حفظه الله تعالى - والصحيح أنه قول الحنفية, على أن أبا حنيفة لا ينكر قسم الطاهر مطلقا, ولعل الشيخ - حفظه الله تعالى - وقع له خلط بين هذه المسألة ومسألة ما إذا لا قى الماء القليل نجاسة, هل ينجس بمجرد الملاقاة أو لا بد من تغيره بها؟ فقول المالكية في هذه المسألة خلاف قول الجمهور, وسيأتي بحثه في موضعه إن شاء الله تعالى.
والله تعالى أحكم وبالصواب أعلم.
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1630