نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1607
استدل بعض الفقهاء بهذه الآية على تحريم إتيان المرأة في فرجها حال الصُّفْرَةِ والكُدْرَةِ، أما مأخذ التحريم فعلى الوجه الذي تقدم، وأما مأخذ كون حال الصفرة والكدرة كذلك فمن قوله: ژ ?ژ واسم الحيض صادق عليهما من جهة اللغة، والقاعدة في الأصول: [أن اللغة معتبرة في تفسير كلام الشارع]، هكذا زعموا!!، وذهب جماعة من العلماء إلى إباحة ذلك، ودليلهم في ذلك: استصحاب الأصل، فالأصل إباحة إتيان الرجل لزوجته على أي حال، ما لم يرد دليل بخلاف ذلك، ولا دليل، والقاعدة في الأصول: [أن الاستصحاب حجة في إثبات الأحكام]، قالوا: واسم الحيض خاص بالأسود، ويظهر مما سبق أن معرفة وجه الصواب في المسألة متوقفة على الفصل في المسألة المشهورة: هل الصفرة والكدرة من الحيض أم لا؟، فإليك بيانها والراجح فيها، فأقول طالبا من الله التوفيق:
اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على أربعة أقوال:
القول الأول: أن الصفرة والكدرة حيض مطلقا، وهذا قول عند المالكية، وبه قال الشافعية في الأصح، [انظر مواهب الجليل للحطاب (1/ 365)، مغني المحتاج للشربيني (1/ 285)]،واستدلوا على ذلك بدليلين:
أ- ما أخرجه مالك في الموطأ وعبد الرزاق في المصنف عن أم علقمة مولاة عائشة أم المؤمنين، أنها قالت: كان النساء يبعثن إلى عائشة أم المؤمنين، بالدرجة فيها الكرسف، فيه الصفرة من دم الحيضة، يسألنها عن الصلاة. فتقول لهن: (لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء)، تريد بذلك الطهر من الحيضة".
وجه الاستدلال بالأثر:
أن عائشة رضي الله عنها قصرت الطهر على البياض الخالص، وذلك في قولها: "لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء"، وبناء على ذلك فكل ما عداه يعد حيضا، ومن ذلك الصفرة والكدرة، وما ذهبت إليه لا يدرك من جهة العقل، فإما أن تكون أخذته من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون خبرا، والقاعدة في الأصول: [أن الخبر حجة في إثبات الأحكام]، وإما أن تكون أخذته من لغة العرب، والقاعدة في الأصول: [أن اللغة معتبرة في تفسير كلام الشارع].
وأجيب عنه من ناحيتين:
الناحية الأولى: الثبوت:
فهذا الأثر ليس بثابت-مردود- في إسناده أم علقمة مجهولة ذكر ذلك الذهبي في الميزان، والقاعدة في الأصول: [أن جهالة الراوي تقتضي رد روايته].
ونوقش الجواب: بأن ابن حبان رحمه الله ذكرها في الثقات، والقاعدة في الأصول: [إذا تعارض التوثيق والتجهيل فالحكم للتوثيق]، وذلك لأن الموثق معه زيادة علم فيتعين المصير إليها.
وَرُدَّت المناقشة: بأن ابن حبان رحمه الله له مذهب في التوثيق لا يساعده فيما ذهب إليه، إذ هو يذهب إلى أن الثقة من لا يعرف بجرح، والحق على خلاف ذلك، وبحث المسألة محله الأصول.
الناحية الثانية: الدلالة:
فهذا الأثر معارض بأثر آخر، وهو ما أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن أم عطية رضي الله عنها، قالت: "كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئا"، ويقال في تقرير الاستدلال به ما قيل في أثر عائشة رضي الله تعالى عنها، إذا تقرر ذلك وتقرر أن القاعدة في الأصول: [أن من شرط صحة الدليل النقلي رجحانه على ما يعارضه]، فلا يصح الاحتجاج بهذا الأثر.
ب- ما أخرجه ابن أبي شيبة عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها، قالت: كنا في حجرها مع بنات ابنتها، فكانت إحدانا تطهر، ثم تصلي، ثم تنكس بالصفرة اليسيرة، فتسألها فتقول: "اعتزلن الصلاة ما رأيتن ذلك، حتى لا ترين إلا البياض خالصا".
وجه الاستدلال بالأثر:
أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قصرت الطهر على البياض الخالص، وذلك في قولها: "اعتزلن الصلاة ما رأيتن ذلك، حتى لا ترين إلا البياض خالصا"، وبناءً على ذلك فكل ما عداه يعد حيضا، ومن ذلك الصفرة والكدرة، وما ذهبت إليه لا يدرك من جهة العقل، فإما أن تكون أخذته من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون خبرا، والقاعدة في الأصول: [أن الخبر حجة في إثبات الأحكام]، وإما أن تكون أخذته من لغة العرب، والقاعدة في الأصول: [أن اللغة معتبرة في تفسير كلام الشارع].
وأجيب عنه من ناحيتين:
الناحية الأولى: الثبوت:
فقد قيل في هذا الأثر علتان تقتضيان عدم ثبوته:
1 - أن هذا الأثر في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار صاحب السير، وهو مدلس، وقد رواه بالعنعنة، فيكون منقطعا حكما، والقاعدة في الأصول: [أن الانقطاع في الأثر يقتضي رده].
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1607