وهذا الضَّيف الكريمُ المبارَكُ يَعرفُه المؤمنون حقًّا؛ لأنَّهم هم أنفسُهم الذين يُؤدُّونه حقَّه، ويَقدِرونَه قدْره؛ فيُكرِمون وِفادَتَه -صِدقًا وعدلًا-.
إنَّ اللهَ رفع قَدْرَ هذا الضَّيفِ في القُرآن، وعلى لسانِ النَّبيِّ العدنان -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فجعل الخيرَ كلَّه فيه -في أوَّله ووسطِه وآخرِه-، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.
لا شك أنك عرفتَ أخي القارئ من هو هذا الضيف!
تُرى ما هي خصائصه؟ وما هي فضائله؟! حتى نستعد لاستقباله، ونشمر عن ساعد الجد لاهتِباله؛ لننال ما أودع اللهُ فيه مِن خير وبركةٍ ورحمات:
هذا الشهر أنزل اللهُ القرآنَ فيه، ولو لم يكنْ فيه إلا هذا الفضل؛ لكفَى.
فكيف وفيه ما فيه -ما اللهُ أعلم بهِ- مِن مغفرة الذُّنوب، ورفع درجاتِ المؤمنين، ومضاعفةِ الحَسنات، وإقالةِ العثرات، يُعتِق اللهُ في كل ليلة مِن لياليهِ عتقاء من النار.
وهو شهرٌ تُفتح فيه أبواب الجِنان، وتُغلق في أبوابُ النِّيران، وتُصفَّد فيه الشياطين، وينزل فيه ملكان يقول الأوَّلُ: يا باغي الخير أقبِل! ويقول الثاني: يا باغي الشر أقصِر!
فيه ليلةٌ مَن حُرِمَها حُرم خيرًا كثيرًا، ليلة يُفرَق فيها كل أمر حكيم.
إنها ليلة القدْر التي هي خير مِن ألف شهْر.
وإن الوقوفَ على هديِِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-في كل طاعة- أمرٌ في غاية الأهمية؛ خصوصًا هديَهُ في شهرِ رمضان؛ لأن العملَ الصَّالحَ لا يرفع للعبد إلا إذا أخلص فيه للهِ، وجرَّد المتابعةَ لرسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فالإخلاصُ والمتابعة هما رُكنا قبول العمل الصالح، وهما كجناحي الطائر، فهيهات أن يُحلِّق بجناح واحدٍ!!
وفي هذه السُّطور نقف وإياك -أخي القارئ- على أحواله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في رمضان -باختصار واعتِصار-؛ لنكون على بيِّنةٍ من هديه -صَلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ-، فمن لم يكن مع الرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في هديه في الدنيا لم يكن معه في دار الكرامة في الآخرة؛ إذ الفلاح -كل الفلاح- في اتِّباع رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-ظاهرًا وباطِنًا-، ولا يُنال ذلك إلا بالعلم النافع، ولا يوجَد علمٌ نافع إلا بعمل صالح؛ فثمرة العلم النافع: العمل الصالح.
فيا عبد الله! إليك بعض أحوالِه (1) -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وهديه في رمضان لتتأسَّى به فتنال محبتَه وتُحشر معه:
* كان -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لا يصوم حتى يرى الهلال رؤيةً محققة أو بإخبار العدل أو بإكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا.
* وكان -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يكتفي بشهادة الواحد، وفي هذا حجة على قبول خبر الواحد.
وثبت أن الأمة صامَت برؤية أعرابي جاء من البادية فأخبر النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أنه رأى الهلال فأمر النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بلالًا أن يؤذن بالصيام.
* وكان -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ينهى أمته أن تتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين احتياطًا وتعمقًا إلا أن تكون عادة لأحدهم؛ لذلك نهى عن صيام يوم الشك.
* وكان -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يُبيِّت النِّية من الليل قبل الفجر، وأمر أمته بذلك.
وهذا الحكم من خصوصيات صيام الفريضة، أما صيام النافلة فلا يشمله هذا الحكم.
* وكان -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لا يُمسك عن الأكل والشرب والمفطرات حتى يرى الفجر الصادق رؤيةً محققة عملا بقول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1541