نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1437
وإذ قد ذكرنا الأُضحِية -وهو ما يحتاجُه أكثرُ النَّاس؛ لأن أكثر النَّاس لا يَحجُّون-بحُكم الظُّروف الماديَّة، وبحُكم الضوابط الرَّسميَّة -وما أشبه-؛ فالحجَّاج مِن كل البلاد هم الأقل، والذين استقرُّوا في بلادِهم، وجلسوا في أوطانِهم هُم الأكثر؛ فهُم المُخاطَبون بأحكام الأُضحية، وليس الحاجُّ مُخاطَبًا بأحكامِ الأُضحية؛ وإنما الحاجُّ يخاطبُ بأحكامِ الهدي-مِن جِهة-أو دَم الفِداء-مِن جِهة أخرى-إذا قصَّر في حُكمٍ، أو في نسُك، أو ارتكب محظورًا-على ما ورد عن ابن عبَّاس-رضي اللهُ-تعالى-عنهما-.
q[اختيار أجود الأضاحي، وبيان أن التقوى في ذلك]
أقول: ينبغي على المسلمِ الحريصِ في موضوع الأُضحية أن يَختار أجوَد الأضاحِي؛ فالنَّبي -عليهِ الصلاةُ والسَّلام- عندما ضحَّى؛ ضحَّى بالكبش الأملحِ الأقرن؛ إشارة إلى جَودتِه، إشارة إلى حُسنِه، إشارة إلى مَكانتِه ومنزلتِه.
وهذا يدلُّك عليه: عُمومُ قولِ الله -تبارك وتعالى-: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}؛ لا أن تأتي بها هزيلة، لا أن تأتي بها عجفاء، لا أن تأتي بها ضعيفة، أو عوراء، أو عرجاء!!
ائتِ بها على خيرِ ما هي عليه مِن أنعام، ائتِ بها على خير ما هي عليه مما تتقرَّب به إلى الله؛ كما قال -تَعالى-: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}.
ليست القضيَّةُ قضيةَ ذبحٍ ولَحم؛ ولكن القضيَّة قضيَّة تَقرُّب إلى الله العظيم-سبحانه-: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي}؛ النُّسُك ما هو؟
الذَّبح .... {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}؛ هذا هو الواجب في هذا الأمر.
q[ما نُهيَ عنه المُضحِّي]
ونُذكِّر المسلمين الذين يُريدون الأضاحي- وهي عملُ غيرِ الحُجَّاج في بلادهم- بما قاله النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "إذا دخلَ العشرَ وأرادَ أحدُكم أن يُضحِّي؛ فلا يَمسَّنَّ شعرَه، ولا ظُفره، ولا بَشْرتَه".
لا يأخذ مِن شعرِ رأسِه، ولا مِن غيرِ شعرِ رأسِه -ولا نُريد أن نقول: لحيته! لأن اللحية لا يجوز الأخذ منها-لا للمضحِّي، ولا لغير المُضحِّي-؛ فاللحية واجبةُ الإعفاء بقولِ جماهير العُلماء؛ لكن: نتكلَّم عن الحُكم الخاص بالأضاحي-.
وكذلك: لا يأخذُ مِن ظُفره -لا يقص الأظفار-.
وكذلك: بشرتَه.
q[معنى: البشرة]
ما معنى البَشرة؟
أحيانًا الإنسان ينزع بعضَ الجلد؛ أحيانًا جلد ميِّت في قدَمه، أو جلد ميِّت في طرَف يدِه؛ هذا لا يجوزُ أخذُه.
q[لا دليل على قول مَن حرَّم على المضحِّي أن يقرب أهلَه تشبُّهًا بالحاج]
ومِن أعجب العجَب أني قرأتُ في بعضِ الصُّحف الإسلاميَّة التي تصدُر -في هذا البلد- عن دكتور مشهور! -وللأسفِ الشَّديد! - عندما ذَكَر أحكامَ الأُضحية قال: (ويجب على المُضحِّي أن لا يَقرب أهله! تشبُّهًا بالمُحرم)!
وهذا لا يُعرف له دليل -لا في نصٍّ مِن كتاب، ولا في حديثٍ مِن سُنَّة النَّبي-عليه الصَّلاةُ والسَّلام-؛ بل ولا في حديث ضعيف-لا يَصِح ولا يَثبت-.
لذلك نقول: "مَن يُرِد اللهُ به خيرًا؛ يُفقِّهه في الدِّين".
فنسأل اللهَ أن يُفقِّهنا في دِيننا، وأن يُعلِّمنا أمورَ دينِنا، وأن يرزقَنا العلم النافعَ والعمل الصالح.
q[هل عدم الأخذ من الشعر والظفر والبشْرة خاص بربِّ الأسرة أم عام للأسرة كلها؟ ورأي الإمام الألباني -رحمه الله-، وموافقة الشيخ علي الحلبي -حفظه الله-]
ومما قد يسألُه بعض النَّاس: أنَّ هذا الحكمَ -في عدمِ الأخذِ من الشَّعر والظُّفر والبَشْرة-؛ هل هو خاصّ بربِّ الأُسرة؟ أم هو عامّ للأسرة -كلِّها-؟
سمعتُ شيخَنا الشيخ الألباني -رحمهُ الله- يقول كما قال النبيُّ -عليهِ الصلاةُ والسلام-: "على أهلِ كلِّ بيت في كل عامٍ أضحية"؛ فإن هذا الحُكم وإن كان الدافعُ المالَ لثمن الأضحية -فيه- واحدًا؛ فإنَّه يشمَل الأسرةَ كلَّها حتى تُضحِّي، فإذا ضحَّيتَ: أخذتَ من شَعرك، أخذتَ أظفارَك، أخذتَ بَشرتَك -كما يُوسِّع اللهُ عليكَ في سائر أيَّامِك-.
شيخُنا -رحمهُ الله- كان إذا ذَكَر هذه المسألةَ يقول: هذه أقولُها اجتِهادًا، واستِنباطًا، وتفقُّهًا في النُّصوص -وإن لم يكن النَّصُّ عليها واضحًا صريحًا-. ونقول كما قال الرسول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: "إذا اجتهد الحاكمُ وأصاب؛ فله أجران، وإذا اجتهدَ وأخطأ؛ فله أجرٌ واحد".
وحقيقةً؛ أنا أمِيل إلى هذا القولِ؛ لوجاهةِ حُكمِه -واستئناسًا بذلك الحديثِ الذي فيه الحُكمُ الموصول بسائرِ أهل البيت-.
... أسألُ اللهَ العظيم أن ينفعَنا وإياكم بالعلم، وأن يَرزقنا العمل وحُسن الختام، والوفاةَ على الإيمان؛ إنه -سبحانه- وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
وصلى اللهُ وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمَّد، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.
وآخرُ دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالَمين.
تفريغ: أم محمد
ما بين المعقوفَين عناوين للتوضيح.
لسماع المحاضرة من هنا (http://www.alhalaby.com/play.php?catsmktba=2411)
[بمراجعة وتعديل شيخنا الشيخ علي بن حسن الحلبي -حفظه الله وجزاه خيرًا-]
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1437