نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1342
مع التنبيه إلى: أن هذه البدع قد تتغير، وتتبدل، وتشتهر، أو تندثر باختلاف الزمان والمكان؛ فما قد يكون غير موجودٍ في بلادنا -فهذا مِن فضلِ الله علينا-؛ فإنه موجودٌ في بلاد أخر. ما لم نَرَه، أو نعرفه، أو نحس به؛ قد يَراه غيرُنا، ويُبتلَى به سوانا؛ فالمعافى يحمد الله.
أما (عاشوراء): فقد ورد في فضله أحاديث كثيرة عن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم-. منها حديث عائشة في "الصَّحيحين"، قالت: "كان يوم عاشوراء تصومُه قريش في الجاهلية، فلما قَدِم النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- المدينةَ صامَه، وأمَر بِصيامه، فلما فُرِضَ رَمضان؛ تَرك يومَ عاشوراء" أي: ترك صيامَه على الوُجوب.
فالرَّاجح: أن (عاشوراء) لما صامَه النبي -عليه الصلاة والسلام-قبل فَرْض رمضان- أنه كان فرضًا؛ وأما بعدَ أنْ فُرِض رمضان؛ فكما في حديثِ عائشة قالت: "تَرَك يومَ عاشُوراءَ"، وتتِمَّة الرِّواية تُوضِّحُها، قالت -رضيَ اللهُ عنها-: "فمَنْ شَاءَ صامَهُ، ومَنْ شاءَ تَرَكَهُ". إذًا: هو على الاستحباب والتَّخيير، ولكنَّ الاستِحباب أقوى مِن مَحضِ التَّخيير.
وأيضًا في "الصَّحيحين": عن ابن عباس قال: "قَدِم النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- المدينةَ، فرَأى اليهودَ تَصومُ يَومَ عاشُوراءَ، فقال: ما هَذا؟ قالوا: هذا يَومٌ صالِحٌ [وفي رواية: يَومٌ عَظيمٌ]، هذا يومُ نجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى وقومَهُ مِن أعدائِهِم، وأغرَقَ فِرعونَ وقومَه، فَصامَه موسَى" هذا كلام اليهود الذين كانوا يَصومون هذا اليوم؛ فحينئذٍ قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "فأَنا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم".
كلُّ حقٍّ أهلُ السُّنة أولى به، كل حقٍّ أهلُ الإسلامِ أولى به، وفي دينِهم وفي منهجِهم غَناء واستغناء عن يأتُوا بأيِّ شيء مِن خارجِه، وهذا النبيُّ الكريم -عليه الصلاة والسلام- في هذه الأحقيَّة؛ إنما هي بِوَحيٍ من ربِّه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4].
قال: "فَصامَهُ، وأَمَرَ بِصِيامِهِ" وهذا الأمر-كما قلنا-: الأصلُ فيه الوجوب، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، إلى أن فُرِض رمضان؛ فانتَقل الأمرُ مِن الوجوب إلى الاستِحباب.
ومنها -أيضًا-: عن أبي موسى الأشعري قال: كان يومُ عاشُوراءَ تَعُدُّه اليَهودُ عِيدًا، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "فصُومُوا أَنْتُمْ" متفقٌ عليه.
وفي هذا إشارة: إلى أن يوم العيد لا يُصام، إذا كان اليهودُ يَعُدُّونه عيدًا؛ فنحنُ نصومُ؛ مخالفةً لهم في أصل فِعلهم، وفي اعتبار هذا اليوم يومَ عِيد؛ وكل ذلك أهلُ السُّنة أولى به، وأحرصُ عليه، وأدعَى أن يَجمعوا الناس إليه.
وفي "الصَّحيحَيْن" -أيضًا-: عن حُميد بن عبدِ الرحمن: أنه سمع معاوية بنَ أبي سفيان -رضي الله عن معاوية- .. صحابي جليل، مِن كتَبة الوحي، دعا له رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وشَهِد له الصَّحابة، قال ابنُ عباس: "إنَّه لفَقِيه"، ويأتي -اليوم- بعض زعانفة الجهلة المتسلِّقين بالباطل والزُّور والإفك المبين، يَطعن بمعاوية، ويطعن بأَبِيه، ويا ليت -تنزُّلًا- كان الأمر مجردَ طعنٍ قائم على شُبهة؛ لسَهُلت الضلالةُ شيئًا ما -وإن كانت ليست سهلة-؛ لكنهم يوجِّهون إليهم سِهام التَّكفير والخروج مِن هذا الدِّين، ومِن مِلَّة المسلمين! {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5]، ثم لا يَزالون ينسِبون أنفسَهم لا أقول إلى السُّنة، ولكن يَنسبون أنفسهم -هؤلاء الضالُّون- إلى هذا الدِّين، ونخشى ما نخشاه أن يكون ذلك السَّهم الذي وجَّهوه إلى معاويةَ وأبيه مُرتدًّا على رقابِهم، وعلى أعناقِهم؛ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: "أيُّما رَجُلٍ كَفَّرَ أَخاهُ المُسلِمَ؛ فَإِنَّها تَصْعَدُ إِلى السَّماءِ، فإنْ لم تَجِدْهُ كَما قَالَ؛ وَإلاَّ حارَتْ إلَيْهِ" أي: رَجعَتْ عَليهِ. وأيُّ فضل أعظم مِن فضلِ هذه الصُّحبة البارَّة لهؤلاء الصحابةِ الأخيار -رضيَ الله عنهم جميعًا-؟!
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1342