إنَّ الحمْدَ للهِ، نَحمدُهُ، ونَستعينُه، ونَستغفِرُه، ونَعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا، وسيِّئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هادِي له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله، وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
أمَّا بعدُ:
فإنَّ أصدقَ الحديثِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضَلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ، وبعدُ:
فقد صحَّ عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أنه قال: "إنَّ لِرَبِّكُمْ في أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحاتٍ؛ ألاَ فتعرَّضوا لَها، وسَلُوا اللهَ أن يَستُرَ عَوراتِكم، وأن يُؤمِنَ رَوعاتِكم".
وهذه النفحاتُ الرَّبانيَّة تُصيب مَن يتعرَّض لها بالخير والبِرِّ والسنة، وما ذاك إلا بسبب فضائل أودعها الله -تبارك وتعالى- بها وفيها؛ فالله عز وجل- بما يشاء مِن فضله ومِنَّته يختص -مِن الأزمنة- أزمنةً يُودِعها فضلًا وقَدْرًا؛ مِن ذلك: شهر رمضان. . مِن ذلك: أيام الحجِّ. . من ذلك: يوم عرفة. . وفي أيام رمضان: ليلة القَدر. . ومِن ذلك: يوم عاشوراء. . وهكذا.
وإذا يشاء الله -عز وجل-بمنِّه وفضله-؛ فإنه يُودِع الأمكنة فضلًا -أيضًا-: كما في المساجد الثلاثة -التي لا يُشد الرِّحال إلا إليها-، وكما في مسجد قباء، وغير ذلك -مما ثبت فضلُه بالدليل الصريح، والنص الصحيح.
وإذا يشاء الله -عز وجل- جعل هذا الفضل في بعض خلقه -من بني آدم-: كما اختص الأنبياءَ بالنُّبوة -اصطفاءً واختيارًا-، وكما امتنَّ على بعض الصحابة بالصِّدِّيقيَّة والشرفِ والفضل؛ كأبي بكر الصِّديق، وعُمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم ممن ثبت النصُّ فيهم فضلاً بالخصوص، أو بالعُموم، وسائر الصحابة بالعموم بنصِّ كتاب الله -رضيَ الله عنهم ورضُوا عنه-.
وفي هذه الأمسية المباركة: سيكون لنا كلامٌ حول (يوم عاشوراء)، وسنذكر بعضَ ما يتعلَّق به؛ سواء من الاشتقاق اللغوي، أو مِن المعنى، أو من الأحكام، أو التاريخ، أو المُحْدَثات؛ كل ذلك تعريفًا لأهل السُّنة بالسُّنة، وأن أهل السُّنة هم أهلُها الحريصُون عليها، الدَّاعُون إليها، وأنَّ أهل البدع والأهواء مهما حاولوا، ومهما جَهدوا وزعَموا؛ فإن تعلُّقهم بما قد يُظَن أنه مِن الخير؛ فإنه لن يكونَ خيرًا، ولئن أمسَكوا بشيءٍ مِن الخير؛ فإنما يُلوِّثُونه بِبدعِهم وضلالاتِهم وانحرافاتِهم وتزيُّدِهم الباطل الذي ما أنزل اللهُ -تعالى- به مِن سلطان.
فـ (عاشوراء): مأخوذ مِن (العَشْر)، ووزنُه الصَّرفي: (فاعُولاء)، وله أمثلة؛ كما يقال -أيضًا-: (تاسوعاء)؛ أي: يوم التاسع، وهو بإضافة ألِف التأنيث يُصبح ممنوعًا من الصَّرف؛ فلا يُصرف (عاشوراء)، أو (تاسوعاء)، وما جاء على هذا الوزن.
وأيضًا: يُقال: (عَشُوراء) بدون ألِف، يُقال: (عشوراء)، ويقال: (عَشوراء)، ويقال: (عاشور) -أيضًا- هذا كلُّه نطقت به العرب، وإن كان أشهر ذلك -كلِّه- بين الناس هو: (عاشوراء).
و (عاشوراء): هو -على أرجح الأقوال- (يوم العاشر)، وإن وردَ عن ابنِ سِيرين قوله: " كانوا لا يختلفون أنه العاشِر، إلا ما رُوي عن ابنِ عبَّاس "؛ ولكن هذا الذي رُوي عن ابن عباسٍ -على الرَّاجح- له توجيهات ذكرها الإمام ابن القيم، ومِن قبلِه الإمام البيهقي، والصواب: أن ابن عباس كغيره من الصحابة؛ ففي "سُنن الترمذي": عن ابن عباس أنه قال: "كان رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يصومُ عاشوراء؛ وهو اليومُ العاشر". فما ورد مِن ذِكر غير ذلك؛ فيُحمل على ما نُقل عنه -رضي الله عنه- مِن الحضِّ على التاسع، والحضِّ على الحادي عشر؛ مخالفةً لليَهود، وهذا الحضُّ مِن باب الفضلِ، وليس مِن باب الواجب، -كما سيأتينا من كلام الإمام ابن القيم-رحمه الله-.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1339