نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 130
إنَّ بعضَ مَرْضَى القلوبِ إذا رأى سيئةً مِنْ غَيرِهِ يَقُومُ بالمُزَايدَةِ في التشنيعِ والإنكارِ عليه، يُرِيدُ أنْ يُظْهِرَ للناسِ كَمْ هُوَ وَرِعٌ وتَقِيٌّ، وقد يتجاوزُ ويَبْتَعِدُ بِتَصَرُّفِهِ عن أدنى التقوى وعن أدنى حقوقِ الأُخُوَّة، وأنَّى للسِّبَابِ والشتائم والانتقاصِ من الآخرين أن تكون دِيناً يُتَقَرَّبُ بها إلى الله تعالى ..
ومن الأمثلة الرفيعة التي يعلمنا فيها النبيُّ عليه الصلاة والسلام كيف نتعاملُ مع الآخرين، ما ذكره عَبَّادُ بْنُ شُرَحْبِيلَ حين قال: أَصَابَنَا عَامُ مَخْمَصَةٍ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَأَتَيْتُ حَائِطاً مِنْ حِيطَانِهَا (أي بستاناً)، فَأَخَذْتُ سُنْبُلاً فَفَرَكْتُهُ فَأَكَلْتُهُ، وَجَعَلْتُهُ فِي كِسَائِي، فَجَاءَ صَاحِبُ الْحَائِطِ، فَضَرَبَنِي وَأَخَذَ ثَوْبِي، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ لِلرَّجُلِ: (مَا عَلَّمْتَهُ إِذْ كَانَ جَاهِلاً، ولا أَطْعَمْتَهُ إِذْ كَانَ جَائِعاً أَوْ سَاغِباً)، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ، فَرَدَّ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِوَسْقٍ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ نِصْفِ وَسْقٍ. رواه النسائي وابن ماجه، وأحمد في المسند، والبيهقي في السنن الكبرى.
فقَدْ أرشَدَ عليه الصلاةُ والسلامُ هذا الذي سُرِقَ منه أنْ يَنْظُرَ في حاجةِ هذا السارقِ، فهو لم يسرقْ إلا عن حاجةٍ وجهل، فقال عليه الصلاة والسلام لمن سُرِقَ منه: (مَا عَلَّمْتَهُ إِذْ كَانَ جَاهِلاً، ولا أَطْعَمْتَهُ إِذْ كَانَ جَائِعاً) ثم أمَرَ النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ بطعامٍ إلى ذلك الذي سَرَق عن فَقْرٍ وحاجةٍ وأعطاه إياه ..
إنَّ الشريعةَ الإسلاميةَ تَهْتَمُّ بالحقوقِ قَبْلَ الحُدُودِ، فقَبْلَ تطبيقِ الحُدُودِ على الناس، لا بدَّ مِنْ أداءِ الحقوقِ إليهم، ولهذا أوقفَ عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه إقامةَ حدِّ السرقَةِ في عامِ الرَّمَادَةِ حين عمَّتِ المجاعةُ، لأنَّ السارقَ قد يكونُ مُضطَراً، والحدودُ تُدْرَأُ بالشبهاتِ.
ولم يقطعْ عمرُ بنُ الخطابِ كذلكَ عِنْدَمَا سَرَقَ غِلْمَانٌ لحاطبِ بنِ أبي بَلْتَعَة ناقةً لرجلٍ من مُزَيْنَةَ، فقَدْ أمَرَ بِقَطْعِ يَدِهِمْ في بدايةِ الأمرِ، ولكنْ حينَ تبيَّنَ له أنَّ سيِّدَّهم هو الذي كان يُجِيعُهُم، دَرَأَ عنهمُ الحدَّ، وغرَّمَ سيِّدَّهم ضِعْفَ ثمنِ الناقةِ تأديباً له.
وهكذا تَظْهَرُ عَظَمَةُ هذا الدينِ الإسلاميِّ، إنه دينٌ يَكْفُلُ الحقوقَ ويُراعي احتياجاتِ الناس، ويُحَقِّقُ مصالحَهُم، ويُسْعِدُهُم في الدنيا والآخرة.
لقد كانَ النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ يَنْظُرُ إلى جوانِبِ التميُّزِ في أصحابِهِ، فيُنَمِّيهَا ويُبَارِكُهَا، فقد قال لأحَدِ أصحابِهِ: (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ، الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ). رواه مسلم. وفي زيادة عند أبي داود: فقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا؟ أَمِ اللهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: (بَلِ اللهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا). فقَالَ: (الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ، يُحِبُّهُمَا اللهُ وَرَسُولُهُ).
وقَالَ عليه الصلاةُ والسلامُ عن الصحابيِّ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي الله عنهما: (نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ) فَكَانَ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ بعد ذلك لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلا قَلِيلاً). متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي موسى رضي الله عنه: (لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْمَعُ قِرَاَءَتَكَ الْبَارِحَةَ، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ). متفق عليه. وفي زيادة عند ابن حبان: فَقَالَ أبو موسى: لَوْ عَلِمْتُ مَكَانَكَ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيراً).
هَكَذا كانَ عليه الصلاةُ والسلامُ يتعامَلُ مع أصحابِهِ، وهكذا يُعَلِّمُنَا كيفَ تكونُ الحِكْمةُ في التعامُلِ، وكيف تكونُ التربيةُ والتعليمُ ..
وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً والحمدُ للهِ ربِّ العَالمين.
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 130