نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 129
فطوبى لمن اشتغلَ بِعُيُوبِ نفسِهِ وإصلاحِهَا، وابتعدَ عَنِ النظرِ في عُيُوبِ غيرِهِ، فمن شَغَلَ نَفْسَهُ بعيوبه، لم يجدْ وقتاً ولا فِكْراً يَشْغَلُهُ في الناس وسوءِ الظن فيهم.
وقد نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن تَتَبُّعِ عَوْرَاتِ الناسِ فقال: (لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ، يَتَّبِعُ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ). رواه أبو داود وأحمد في المسند.
وذَكَرَ سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ رجلاً بسُوءٍ، عِنْدَ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَجَعَلَ إِيَاسُ يَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ ولا يَقُولُ شَيْئاً حَتَّى فَرَغَ، فَقَالَ له: أَغَزَوْتَ الدَّيْلَمَ؟ قال: لا. قَالَ: فَغَزَوْتَ السِّنْدَ؟ قال: لا. قَالَ: فَغَزَوْتَ الْهِنْدَ؟ قال: لا. قَالَ: فَغَزَوْتَ الرُّومَ؟ قال: لا. قَالَ إياس: (فَسَلِمَ مِنْكَ الدَّيْلَمُ وَالسِّنْدُ وَالْهِنْدُ وَالرُّومُ، وَلَيْسَ يَسْلَمُ مِنْكَ أَخُوكَ هَذَا) فَلَمْ يَعُدْ سُفْيَانُ إِلَى ذَلِكَ.
وهذا أبو دجانةَ رضي الله عنه، دخل عليه زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ في مرضه، ووجهُهُ يتَهَلَّلُ! فقال له: مَا لَكَ يَتَهَلَّلُ وَجْهُكَ؟
فقال: (مَا مِنْ عَمَلِ شَيْءٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنَ اثنَتَيْنِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ لا أَتَكَلَّمُ فيمَا لا يَعْنِينِي، وَأَمَّا الأُخْرَى: فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِينَ سَلِيماً).
إنَّ المؤمنَ العاقلَ ينظر إلى حسناتِ الناسِ وإيجابياتِهِم وينمِّيها، ولا يضخِّمُ سيئاتِهِم ويُغْفِلُ حسناتِهم، وقد ضَرَبَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام أروعَ الأمثلةِ في ذلك، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ فَأُتِيَ بِهِ يَوْماً فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إلا أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَه). رواه البخاري.
لقد قال عليه الصلاة والسلام عن ذلك العاصي لله: (لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إلا أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَه). فقد مَدَحَهُ وذَكَرَ صفةً عظيمةً وحميدةً له وهي (أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَه)، فالمعصيةُ لا تنافي أصلَ المحبةِ لله ورسولِهِ، ولكنها تنافي كمالَ المحبةِ لهما. فالعاصي لم يَخْرجْ عن الإيمانِ كلِّه، ولم يصبحْ عدواً لله ورسوله ..
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 129