responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1288
ـ[أم محمد]ــــــــ[26 - 03 - 2012, 12:00 م]ـ
الصبر واقترانه بالإيمان واليقين:
(والصَّبر نوعان: نوعٌ على المقدور؛ كالمصائب، ونوع على المشروع، وهذا النَّوع -أيضًا- نوعان: صبر على الأوامر، وصبر عن النواهي.
فهذا صبرٌ على الإرادة والفِعل، وهذا صبرٌ عن الإرادة والفعل.
فأمَّا النوعُ الأوَّل من الصبر: فمشترَكٌ بين المؤمن والكافر، والبر والفاجر، لا يُثابُ عليه لمجرَّده إن لم يقترن به إيمان واختيار، قال النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-في حق ابنتِه-: "مُرها فلْتصبِر ولْتحتسِب"، وقال -تَعالى-: {إلا الذينَ صبَروا وعمِلوا الصَّالحات أولئكَ لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبير} [هود: 11]، وقال -تَعالى-: {بلى إن تَصبِروا وتتَّقوا} [آل عمران: 125].
فالصبرُ بدون الإيمان والتَّقوى بمنزلة قوَّة البدن الخالي عن الإيمان والتَّقوى، وعلى حسب اليقين بالمشروع يكون الصَّبر على المقدور.
وقال -تَعالى-: {فاصبِر إنَّ وعدَ اللهِ حقٌّ ولا يسْتَخِفَّنَّكَ الذين لا يوقِنون} [الروم: 60]: فأمرَه أن يصبرَ، ولا يتشبَّه بالذين لا يَقينَ عندهم في عدم الصَّبر؛ فإنَّهم لعدمِ يقينِهم عدم صبرُهم، وخفوا واستخفُّوا قومَهم.
ولو حصل لهم اليقين والحقُّ؛ لصبروا، وما خفوا ولا استخفوا.
فمَن قلَّ يقينُه؛ قلَّ صبرُه، ومَن قلَّ صبرُه خفَّ واستخفَّ!
فالموقنُ الصَّابر رزينٌ؛ لأنَّه ذو لُبٍّ وعقل، ومَن لا يقينَ له، ولا صبرَ عنده؛ خفيفٌ طائشٌ تلعبُ به الأهواءُ والشَّهوات كما تلعب الرِّياحُ بالشيء الخفيف. والله المستعان) اهـ. "بدائع تفسير ابن القيم"، (5/ 330 - 331).

ـ[أم محمد]ــــــــ[07 - 12 - 2012, 12:25 م]ـ
(الصبر واجب لا بُد منه، وما بعده إلا السخط، ومَن سخط أقدار الله؛ فله السخط مع ما يتعجل له من الألم وشماتة الأعداء به أعظم من جزعه.
كما قال بعضُهم:
لا تجزعنْ مِن كل خطبٍ عرا /// ولا تري الأعداء ما يشمتوا
يا قوم بالصبر تنال المُنى /// إذا لقيتم فئة فاثبُتوا
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من يتصبَّر يصبِّره الله، وما أعطي أحدٌ عطاء خيرًا ولا أوسع من الصبر".
وقال عمر: وجدنا خير عَيشنا الصبر.
وقال علي: إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له.
وقال الحسن: الصبرُ كنزٌ من كنوز الجنة، لا يعطيه الله إلا لمن كرم عليه.
وقال ميمون بن مهران: ما نال أحد شيئًا من جسيم الخير -نبي فمن دونه- إلا بالصبر.
وقال إبراهيم التيمي: ما من عبد وهب اللهُ له صبرًا على الأذى، وصبرًا على البلاء، وصبرًا على المصائب؛ إلا وقد أوتيَ أفضل ما أوتيه أحد بعد الإيمان بالله -عز وجل-.
وهذا منتزع من قوله -تعالى-: {ولكنَّ البرَّ مَن آمن بالله واليوم الآخر ..} إلى قوله: {والصابرينَ في البأساءِ والضراءِ وحين البأسِ أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} [البقرة: 177].
والمراد بـ (البأساء): الفقر ونحوه، وبـ (الضراء): المرض ونحوه، و (حين البأس): حال الجهاد.
وقال عمر بن عبد العزيز: ما أنعم الله على عبدٍ نعمة فانتزعها منه فعاضه مكان ما انتزع منه الصبرَ؛ إلا كان ما عوَّضه خيرًا مما انتزع منه، ثم تلا: {إنَّما يوفَّى الصابرون أجرَهم بغيرِ حساب} [الزمر: 10].
وكان بعض الصالحين في جيبه ورقة يفتحها كل ساعة فينظر فيها، وفيها مكتوب: {واصبِر لِحُكمِ ربِّك فإنَّك بأعيُننا} [الطور: 48].
والصبرُ الجميل هو أن يكتمَ العبدُ المصيبةَ ولا يخبر بها.
قال طائفة من السلف في قوله -تعالى-: {فصبرٌ جميلٌ} .. ؛ قالوا: لا شكوى معه.
كان الأحنف بن قيس قد ذهبت عينه من أربعين سَنة ولم يذكرها لأحد.
وذهبت عين عبد العزيز بن أبي روَّاد من عشرين سَنة، فتأملهُ ابنُه يومًا فقال له: يا أبت! قد ذبت عينك؟! فقال: نعم يا بني الرضا عن الله أذهب عين أبيك من عشرين سَنة.
وكان الإمام أحمد لا يشتكي ما به من المرض إلى أحد، وذُكر له أن مجاهدًا كان يكره الأنين في المرض، فتركه، فلم يئن حتى مات، وكان يقول لنفسه: يا نفس اصبري وإلا تندمي.
ودخل بعض العارفين على مريض يقول: آه! فقال له ذلك العارف: ممن؟
وفي هذا المعنى يقول بعضُهم:
تفيضُ النفوس بأوصابها /// وتكتمُ عُوَّادَها ما بها
وما أنصفتْ مهجةٌ تشتكي /// هواها إلى غيرِ أحبابِها
قال يحيى بن معاذ: لو أحببتَ ربَّك ثم جوَّعك وأعراك؛ لكان يجب أن تحتمله وتكتمه عن الخلق؛ فقد يحتمل الحبيب لحبيبه الأذى؛ فكيف وأنت تشكوه فيما لم يصنعه بك؟
ويقبح من سواك الفعلُ عندي /// وتفعلهُ فيحسُن منكَ ذاكا
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يشدون على بطونهم الحجارة من الجوع.
كان أويس يلتقط الكسر من المزابل والكلابُ تزاحمه، فنبح عليه كلب يومًا فقال: يا كلب! لا تؤذِ من لا يؤذيك، كُلْ مما يليك وآكل مما يليني، فإن دخلتُ الجنةَ فأنا خير منك، وإن دخلتُ النار فأنت خير مني.
وكان إبراهيم بن أدهم يلتقط السنبل مع المساكين، فرأى منهم كراهة مزاحمته؛ فقال: أنا تركتُ مُلك بلخ أفأزاحم المساكين على لقاط السنبل؟ فكان بعد ذلك لا يلتقط إلا مع الدواب التي ترعى فيه.
وكان الإمام أحمد يلتقط السنبل مع المساكين.
وآجر سفيان الثوري نفسه مع جمالين في طريق مكة، فطبخ لهم طعامًا فأفسده فضربوه ...
كانت مصائب الدنيا عندهم نعمًا حتى قال بعضُهم: ليس بفقيهٍ من لم يعدَّ البلاءَ نعمة والرخاء مصيبة.
ومن الإسرائيليات: إذا رأيتَ الغِنى مقبلًا؛ فقل: ذنب عجلت عقوبته، وإذا رأيتَ الفقر مُقبلًا؛ فقل: مرحبًا بشعار الصالحين.
وقال بعضُ السلف: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات: أحمد الله إذ لم تكن أعظم مما هي، وأحمد الله إذ رزقني الصبر عليها، وأحمده إذ وفقني للاسترجاع، وأحمده إذ لم يجعلها في ديني ....).
"نور الاقتباس" للحافظ ابن رجب -رحمه الله-، (120 - 124) -مع شيء من الحذف-.
¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1288
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست