responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1263
ولما وعد الله المؤمنين جنات عدن، تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها لا يزول عنهم نعيمها ولا ينفد، قال تعالى: {وَرضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ}، فرضوان الله ورضاه عن العبد أكبر من ذلك كلِّه، كما قال صلى الله عليه وسلم: إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبّيك ربَّنَا وسعْدَيك! فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تُعْطِ أحدًا من خلقك؟ فيقول: أنا أعطيكم أفضلَ من ذلك. قالوا: يا ربّ، وأيُّ شيء أفضل من ذلك! قال: أُحِلُّ عليكم رضوَاني، فلا أسخطُ عليكم بعده أبداً ([24] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn24)).
والدرجة الثانية: أنْ يصبرَ على البلاء، وهذه لمن لم يستطع الرِّضا بالقضاء، وفي الصَّبر خيرٌ كثيرٌ، فإنَّ الله أمرَ به، ووعدَ عليه جزيلَ الأجر. قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، وقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. قال الحسن: الرِّضا عزيزٌ، ولكن الصبر معولُ المؤمن.
والفرق بين الرِّضا والصبر: أنَّ الصَّبر: كفُّ النَّفس وحبسُها عن التسخط مع وجود الألم، وتمنِّي زوال ذلك، وكفُّ الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع، والرِّضا: انشراح الصدر وسعته بالقضاء، وترك تمنِّي زوال ذلك المؤلم، وإنْ وجدَ الإحساسُ بالألم، لكن الرِّضا يخفِّفُه لما يباشر القلبَ من رَوح اليقين والمعرفة، وإذا قوي الرِّضا، فقد يزيل الإحساس بالألم بالكلية ([25] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn25)).
وقد أمر الله تعالى بالصبر الجميل فقال: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً}، عن الحسن رضي الله عنه قال: الصبر الجميل الذي ليس فيه شكوى إلا إلى الله.
قال الإمام الرازي: فالصبر الجميل هو: أنْ يعرف أنَّ منزل ذلك البلاء هو الله تعالى، ثم يعلم أنَّ الله سبحانه مالك الملك، ولا اعتراض على المالك في أنْ يتصرَّف في ملك نفسه، فيصير استغراق قلبه في هذا المقام مانعاً له من إظهار الشكاية. (وهذا الوجه الأول).
والوجه الثاني: أنَّه يعلم أنَّ منزل هذا البلاء، حكيم لا يجهل، وعالم لا يغفل، عليم لا ينسى، رحيم لا يطغى، وإذا كان كذلك فكان كلُّ ما صدر عنه حكمة وصواباً، فعند ذلك يسكت ولا يعترض.
والوجه الثالث: أنَّه ينكشف له أنَّ هذا البلاء من الحق، فاستغراقه في شهود نور المُبْلي، يمنعه من الاشتغال بالشكاية عن البلاء، ولذلك قيل: المحبة التامة لا تزداد بالوفاء ولا تنقص بالجفاء، فهذا هو الصبر الجميل. أما إذا كان الصبر لا لأجل الرِّضا بقضاء الحق سبحانه بل كان لسائر الأغراض، فذلك الصبر لا يكون جميلاً، والضابط في جميع الأفعال والأقوال والاعتقادات أنَّ كلَّ ما كان لطلب عبودية الله تعالى كان حسناً وإلا فلا ([26] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn26)).
وقال يحيى بن معاذ: الصبر الجميل أن يتلقى البلاء بقلب رحيب ووجه مستبشر.
وقال ذو النون المصري: الصبر التباعد من المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة.
وقال أبو علي الدقاق: فاز الصابرون بعزِّ الدارين؛ لأنَّهم نالوا مِنَ الله معيَّته فإنَّ الله مع الصابرين.
ونظر علي بن أبي طالب إلى عدي بن حاتم كئيباً حزيناً فقال له: ما لي أراك كئيباً حزيناً؟ فقال: وما يمنعني يا أمير المؤمنين وقد قتل أبي، وفقئت عيني؟ فقال: «يا عدي بن حاتم، إنه من رضي بقضاء الله جرى عليه، وكان له أجراً، ومن لم يرض بقضاء الله جرى عليه، وحبط عمله» ([27] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn27)).
وعن عبد الله بن مسعود قال: «لأن يعض أحدكم على جمرة حتى تطفأ خير من أن يقول لأمر قضاه الله ليت هذا لم يكن» ([28] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn28)).
وشكا رجل إلى الحسن سوء الحال وجعل يبكي، فقال الحسن: يا هذا كل هذا اهتماماً بأمر الدُّنيا، والله لو كانت الدُّنيا كلها لعبد فسلبها ما رأيتها أهلاً لأن يُبْكَى عليها.
قال صفي الدين الحلي:
كُنْ عن هُمُومِكَ مُعْرِضَا ..... وكِلِ الأُمُورَ إلى القَضَا

وابشرْ بِخَيرٍ عَاجِلٍ ..... تنسى به مَا قَدْ مَضَى
¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1263
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست