نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 125
لقد وصف الله تعالى تأثُّرَ المؤمنين بالقرآن فقال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً)، وقال تعالى: (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ).
فقد وَصَفَ اللهُ المؤمنين الذين يخشونه بأنهم تَقْشَعِرُّ جلودُهُم من هذا القرآن الكريم تعظيماً له، وذلك الذي بعثهم على الخضوع له والانقياد، ولذلك قال بعدها: (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ). فالتدبر لا يكون إلا بالتعظيم لله ولكتابه العظيم.
3ـ ومن الوسائل التي تعين على تدبر القرآن: أنْ يَحْسَبَ أنه هو المخاطب بالقرآن الكريم، فماذا لو حَسِبَ كلٌّ منَّا أنَّ القرآن قد أنزل عليه، وأنه هو المخاطب به، فكيف سيَتَلَقَّى رسائلَهُ ومواعظَهُ، وأوامرَهُ ونواهيَهُ، فما أنفسَها وما أعظمَها مِنْ رسائلَ قالها الخالقُ العظيمُ لخلقه وعباده الذين لا يعرفون من الخير إلا ما عرَّفهم به ربهم، ولا نجاة لهم من الشرور والآثام إلا بابتعادهم عما نهى الله عنه.
قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: (إنَّ مَنْ كان قَبْلَكُمْ رأوا القرآنَ رسائلَ مِنْ ربِّهِمْ، فكانوا يتدبَّرونها بالليل، ويَتَفَقَّدُونَها في النهار).
4ـ ومن الوسائل المعينة على التدبر: معرفةُ أنَّ القرآنَ لا تنقضي عجائبُهُ، فلا يَقْتَصِرُ على ما وردَ في تفسيرِ الآية، بل يُعْمِلُ الفِكْرَ والنَّظَرَ ويَتَأمَّلُ في الآياتِ وما تَدُلُّ عليه، وبهذا تُفْهَمُ الآيةُ على أوسع معانِيها التي تدل عليها، ولا تُقْصَرُ الآيةُ على معنىً واحدٍ من المعاني، فالآيةُ تُفهم على معانٍ كثيرةٍ لا تعارض بينها، فمعرفةُ سببِ النزولِ يُفِيدُنَا في فهم الآية، لكنه لا يعني قَصْرَ مَفْهُومِ الآيةِ على ما وَرَدَ في سبب النزول، فالعبرةُ بعمومِ اللفظِ لا بخصوصِ السبب، فيُمْكِنُ أنْ تُحمَلَ الآيةُ على الكثيرِ من المعاني الحقيقية والمجازية التي تُفْهَمُ من الآية، ويَسمح بها التركيب، إذا لم يكن هناك تعارضٌ بين هذه المعاني.
5ـ ومما يعين على التدبر: تَكْرارُ الآيةِ وتَرديدُها، والعَوْدَةُ المُتَجَدِّدَةُ للآياتِ، فذلك له أثرٌ عظيمٌ في حضورِ القلبِ واستحضارِ الآياتِ والتأثُّرِ بها ..
ففي التَّكْرَارِ تقريرٌ للمعاني في النفس، وتثبيتٌ لها في الصدر، وسكينةٌ وطمأنينةٌ للقلب.
وقد ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السلف من بعده، عن أَبي ذَرٍّ أن النَّبِيَّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَامَ بِآيَةٍ يُرَدِّدُهَا حَتَّى أَصْبَحَ وهي قوله تعالى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). رواه النسائي وابن ماجه.
وقال بعض السلف: إني لأفتتحُ السورةَ، فَيُوقِفُنِي بعضُ ما أشْهَدُ فيها عَنِ الفراغِ منها، حتى يطلعَ الفجرُ.
وعن الحسن أنه ردَّدَ في ليلة حتى أصبحَ قولَ اللهِ تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)، فقيل له في ذلك؟ فقال: إن فيها مُعْتَبَراً، مانرفع طَرْفاً ولا نَرُدُّهُ إلا وَقَعَ على نِعمَةٍ، وما لا نعلمه من نِعَمِ اللهِ أكثر).
وقام تميمٌ الداريُّ في ليلة بهذه الآية: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ).
وقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ، بعد أن صَلَّى العَتَمَةَ، قَامَ يُصَلِّي، فَاسْتَفْتَحَ بِـ (الحَمْدُ للهِ) إِلَى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِيْنُ)، فَطُفْتُ الحَائِطَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ، فَإِذَا هُوَ لا يُجَاوِزُهَا، ثُمَّ نِمْتُ، وَمَرَرْتُ فِي السَّحَرِ وَهُوَ يَقْرَأُ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ). فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهَا إِلَى الصُّبْحِ.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 125