نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1218
وقد اعترض الإمام ابن القيم رحمه الله على من يعتمد في الخطبة على السيف إشارة إلى أنَّ الدِّين فتح به، فقال: وكثير من الجهلة كان يمسك السيف على المنبر إشارة إلى أنَّ الدِّين إنَّما قام بالسَّيف، وهذا جهل قبيح من وجهين أحدهما: أنَّ المحفوظ أنَّه e توكأ على العصا وعلى القوس. الثاني: أنَّ الدين إنَّما قام بالوحي وأمَّا السَّيف فلمحق أهل الضلال والشرك، ومدينة النبيِّ e التي كان يخطب فيها إنَّما فُتحت بالقرآن ولم تُفتح بالسيف ([6] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn6)).
والإسلام أعطى الحرية الكاملة لاعتقادات النَّاس، فلم يكره أحداً على الدين يقول تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، عن ابن عباس أنه قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلاً مسلماً، فقال للنبي e: ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية؟ فأنزل الله فيه ذلك ([7] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn7)).
وقد شرعت الجزية لمن لا يريد الدخول في الإسلام، وهي مبلغ زهيد وذلك مقابل حمايتهم، وعدم الاشتراك معهم في الدفاع عن الإسلام.
قال الإمام النووي: وقد حمى الإسلامُ الحنيفُ أهلَ الذمة وعاشت في ظلِّه ديانات اليهود والنصارى بعد أن كان يضطهد بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً فأقرَّ بينهم السَّكينة والوئام والسَّلام، وترك لهم حرِّية الاعتقاد عملاً بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ} ([8] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn8)).
وقد أمر الله نبيَّه بمسالمة العدو إنْ أمنوا جانبَهم من المكر والخيانة، قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
يقول الطبري رحمه الله: وإنْ مالوا إلى مسالمتك ومتاركتك الحربَ، إمَّا بالدُّخول في الإسلام، وإمَّا بإعطاء الجزية، وإمَّا بموادعة ونحو ذلك مِنْ أسباب السِّلم والصُّلح {فَاجْنَحْ لَهَا}، يقول: فمل إليها، وابذل لهم ما مالوا إليه من ذلك وسألوكه ([9] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn9)).
وظلَّ الرَّسول e يدعو النَّاس إلى الإسلام في مكَّة ثلاث عشرة سنة، بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يقاتل أحداً طوال هذه الفترة، مع ما تعرَّض له المسلمون من الأذى في دينهم.
وليس معنى هذا تضييق نطاق الجهاد أو أنَّ الجهاد لم يشرع إلا للدفاع فقط، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} قال الطبري: يقول لهم: ابدأوا بقتال الأقرب فالأقرب إليكم داراً، دون الأبعد فالأبعد. وكان الذين يلون المخاطبين بهذه الآية يومئذ، الرُّوم، لأنَّهم كانوا سُكَّان الشَّام يومئذ، والشَّام كانت أقرب إلى المدينة من العراق. فأمَّا بعد أنْ فتح الله على المؤمنين البلاد، فإنَّ الفرض على أهل كلِّ ناحية: قتالُ مَنْ وليهم مِنَ الأعداء دون الأبعد منهم، ما لم يضطرّ إليهم أهل ناحية أخرى من نواحي بلاد الإسلام، فإن اضطروا إليهم لزمهم عونهم ونصرهم، لأنَّ المسلمين يدٌ على مَنْ سواهم ([10] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn10)).
يقول سيِّد قطب رحمه الله: إنَّ للإسلام - بوصفه المنهج الإلهي الأخير للبشريَّة - حقَّه الأصيل في أنْ يُقيم نظامه الخاص في الأرض، لتستمع البشريَّة كلُّها بخيرات هذا النِّظام، ويستمتع كلُّ فرد في داخل هذا النِّظام بحرِّية العقيدة التي يختارها، حيث «لا إكراه في الدين» من ناحية العقيدة .. أمَّا إقامة «النظام الإسلامي» ليظلل البشرية كلَّها ممن يعتنقون عقيدة الإسلام وممن لا يعتنقونها، فتقتضي الجهاد لإنشاء هذا النظام وصيانته، وترك النَّاس أحراراً في عقائدهم الخاصَّة في نطاقه. ولا يتمُّ ذلك إلا بإقامة سلطان خير وقانون خير ونظام خير يحسب حسابه كل مَنْ يفكِّر في الاعتداء على حرِّية الدَّعوة وحرِّية الاعتقاد في الأرض ([11] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn11)).
فالجهاد مشروع لنا، ولكن ليس لإكراه النَّاس على هذا الدِّين ولكن لأهداف أخرى ذكرها سيِّد قطب في تفسيره فقال:
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1218