responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1205
وكم من نصيحة في السرّ كشفت أوهاماً في الفهم، وأخطاء في النقل، وتزيّداً في الكلام، بل وافتراء من بعض المغرضين وتحريفاً، وقديماً قال سلفنا: " شؤم الرواية آفة الأخبار "، فهل يرضى لنفسه طالب علم أو داع إلى الله أن يكون غير متثبّت من الأقوال، ضحيّة التقوّلات والافتراءات.؟!
والحديث عن النصيحة بشروطها وآدابها طويل عريض، كثر تناوله علميّاً ونظريّاً في الخطب والمحاضرات، والمجالس العلميّة والندوات، ولكنّ أكثر بيئاتنا الدعويّة والعلميّة وللأسف بعيدة عنه عمليّاً غاية البعد، وما أكثر المتنصّلين من حقائقه ومعانيه، تحت شتّىالمبرّرات والشعارات، والمعاذير الواهيات .. والأمر يحتاج إلى تربية أصيلة، عميقة دقيقة، تقطع دابر التأوّلات الباطلة، والحجج الواهية ..
ولا يخفى أنّ من فوائد النصح سرّاً أن يتاح للناصح مجال الحوار مع من يخالفه، واستماع وجهة نظره، وما يستند إليه من حجج وأدلّة .. وأكاد أجزم أنّني من خلال الوقائع والتجربة ما أنكرت على أحد في أمر بلغني عنه إلاّ وتغيّرت وجهة نظري بدرجة ما، بعد محاورته واستماع وجهة نظره، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا العدل والإنصاف، والحكمة وسعة النظر ..
3 ـ «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» ([3]). ما أروعه من ضابط نبويّ دقيق شامل، يغني عن كثير من الضوابط.! وما أعظمه من ميزان لأعمالنا، يغنينا عن كثير من القيل والقال، وكثرة المراء والجدال: فنحن نحبّ لأنفسنا أن ننصح سرّاً، ولا نفضح .. ونحبّ لأنفسنا أن تلتمس لنا الأعذار، فيما نجتهد فيه، أو ظاهره الخطأ .. ونحبّ لأنفسنا أن نعان على الخير، ولا يعان علينا أعداؤنا .. ونحبّ لأنفسنا أن تحفظ أعراضنا، ويدافع إخواننا عنّا .. ونحبّ لأنفسنا أن يُتثبّتَ ممّا ينسب إلينا، ولا يقبل عنّا خبر بغير بيّنة ..
ومن منّا لا يحفظ هذا الحديث ويردّده، حتّى أطفالنا الصغار يحفظونه .. فما بالنا نخالف ذلك ونتجاوزه في مواقفنا وخلافاتنا.!
وأوّل ما يخاصمنا في هذا التجاوز هذا الحديث الصريح الذي لا يحتاج إلى كبير عناء لفهمه، ولكنّه يحتاج إلى صدق في تطبيقه، ومجاهدة نفس على الالتزام به .. ومن يصدق الله يصدقه ..
4 ـ (هَلاّ شَقَقتَ على قلبِه.؟)، هَلاّ أحسنت الظنّ بأخيك، والتمست له العذرَ.؟! علينا أن نحذر كلّ الحذر من إساءة الظنّ، واتّهام المقاصد والنيّات، فتلك متاهة مهلكة مفسدة، لا تقف بنا عند حدّ .. وما أكثر الواقعين فيها، والوالغين في مستنقعها، وهم يظنّون أنّهم يحسنون صنعاً.! ومن الأدبيّات السلفيّة الراشدة: " التمس لأخيك عذراً، ولو من سبعين باباً "، " لأن تحسن الظنّ وتخطئ خير من أن تسيء الظنّ وتصيب ".
وقال الإمام ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذراً لا أعرفه.
وقال الشاعر:
تَأنَّ ولا تَعجَل بِلومِك صَاحباً .. .. .. لعلَّ له عُذراً وأنتَ تَلومُ ([4]).
وما أكثر ما ينقل العامّة أفهامهم عن أهل العلم إلى طالب علم آخر، فيسرع بإساءة ظنّه، أو إنكاره على إخوانه دون تثبّت ممّا سمع، وعندما يعرف حقيقة القول والموقف يتبدّى له كم كان متسرّعاً، وأنّه إنّما أُتي من قبل تسرّعه، وقبوله لتلك الأقوال المشوّهة أو المغرضة ..
5 ـ ضرورة التمييز بين الثوابت والمتغيّرات: فقبل الاعتراض والإنكار، والتشنيع وإثارة الغبار لا بدّ من تصنيف العمل الذي هو محلّ إنكارنا: أهو من الثوابت والقطعيّات، التي لا يجوز فيها الاختلاف، أم هو ممّا اختلف فيه قديماً، فلا يزال الخلاف فيه قائماً، ولا مطمع لأحد في إلغائه، ولكلّ طرف أدلّته وحججه ..
وقد أشار شيخ الإسلام رحمه الله إلى هذه النقطة في النصّ السابق بقوله: " .. ويكون سببه تارة جهل المختلفين بحقيقة الأمر الذي يتنازعان فيه، أو الجهل بالدليل الذي يرشد به أحدهما الآخر، أو جهل أحدهما بما مع الآخر من الحق: في الحكم، أو في الدليل، وإن كان عالماً بما مع نفسه من الحق حكماً ودليلاً. والجهل والظلم: هما أصل كلّ شرّ "، وصدق رحمه الله: إنّ الجهل والظلم: هما أصل كلّ شرّ.
¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1205
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست