نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1178
والتنبيه على ما صح من السنن-فيه-
لفضيلة الشيخ علي بن حسن الحلبي
-حفظه الله-
إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يضللْ فلا هاديَ له.
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ -وحده لا شريك له-.
وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
أمَّا بعدُ:
فإنَّ أصدقَ الحديثِ كلامُ الله، وخيرَ الهَدْي هديُ محمد -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدَثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النَّار.
وبعدُ:
فنحن -اليوم- في الأول مِن شهر رجب، سَنَة اثنتين وثلاثين بعد الأربعمِئة والألف ..
مِن أجل هذا: أحببتُ أن يكون كلامُنا -في هذا اليَوم- متعلقًا بشيءٍ مِن الفوائد الفِقهيَّة والعلميَّة المتعلِّقة بهذا الشَّهر الكريم؛ فالله -تَبارَك وتَعالَى- يختصُّ مِن الأزمنةِ أزمنةً، ومِن الأمكنةِ أمكنةً، ومِن الأشخاص أشخاصًا.
فشهرُ رجب هو أوَّل الأشهر الحُرم، وهو الذي يُسمَّى «رجبَ الفَرد».
لذلك: اعتقدَ العربُ في الجاهليَّة فيه عقائدَ -أقرَّ بعضَها الإسلامُ، وخالفَ بعضًا آخر-، وكذلك في هذه الأزمنة -كما هو في أزمنةٍ سبقتْ-؛ فإن كثيرًا من المسلمين يَفعلون أفعالاً في رجبٍ يَظنُّونها هَديًا شرعيًّا، وسُننًا دينيَّة، وليست هي مِن ذلك في شيء.
لذلك: اعتنى أهلُ العلمِ -قديمًا- في بيانِ ما يتعلَّقُ برَجَب؛ فألَّف الإمامُ ابن دِحيةَ كتابًا سمَّاه: «أداء ما وَجَب مِن بيان وَضعِ الوضَّاعين في رجب»، وألَّف الحافظُ ابنُ حجر العسقلاني كتابًا سمَّاه «تَبيينُ العَجَب فيما ورد في فَضلِ رجب».
وسنُحاول -في هذه العُجالة السَّريعة-إن شاءَ اللهُ- إلقاءَ الضَّوء على مُجمَل ذلك -مما ثبتَ؛ فنحض عليه، ومما لم يثبتْ؛ فننهَى عنه-.
أول ذلك: ما يتوهَّمُه النَّاسُ مِن صحَّةِ حديثٍ فيه: أنَّ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- قد دعا: «اللهمَّ! بارِك لَنا في رجَبَ وشَعبان، وبَلِّغنا رمضان»؛ فهذا حديثٌ لا يَصِح، قد بَنى عليهِ بعضُ النَّاسِ دعاءً خاصًّا في فضلِ رجب، دعاءً خاصًّا في المبارَكةِ بشهرِ رَجب، ولا شكَّ ولا ريبَ أن (رجب) شهرٌ مبارَك -باعتبارِه من الأشهر الحُرُم-؛ ولكنْ: لا يعني ذلك أن يُخصَّ بأمورٍ لم تَرِدْ في سُنَّة النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
أمَّا الدُّعاءُ المطلَق؛ فلا أحدَ ينهَى عنه، ولا أحدَ يَكرهُه، فما أطلقَه الشَّرعُ نُطلِقه، وما قيَّده الشرعُ نقيِّدُه، وما خصَّصَه الشَّرعُ بِفضائلَ نُخصِّصه. . وهكذا في سائر أحكامِ هذه الشَّريعةِ الغرَّاء.
كما أنَّهم خصَّصوا شهر (رجب) بِدُعاء؛ فإنهم خصَّصوه بِصلاة، وسمَّوها «صلاةَ الرَّغائب»، وهي: ثِنتا عشرة ركعة بسِتِّ تسليماتٍ، تُصلَّى بين المغربِ والعشاء في أوَّل ليلةٍ من شهرِ رجب، وهذه الصَّلاة لا تَصِح، ولا تَثبتُ في السُّنة.
ونحن -دومًا-على اعتقادٍ راسخٍ، ويقينٍ ظاهِر-: أنَّه لا تَثبتُ الأحكامُ إلا بالنُّصوصِ الصَّحيحةِ، وكذلك: لا تَثبتُ الفضائلُ إلا بالنُّصوصِ الصَّحيحةِ، ونحن على خِلاف قولِ مَن يقولُ بأنَّ الفضائلَ يجوزُ الاستِدلالُ عليها بِما لم يَصِحَّ من الحديثِ، حتى مَن قال ذلك مِن أهل العلم؛ وضع له شُروطًا، وهذه الشُّروط قلَّ أن يَضبطَها أحدٌ، أو أن يُتقنَها شخصٌ -إلا في أضيق مجال-.
وقد كانت -هنالك- مُساجلة علميَّة بين بعضِ أهلِ العلم في صَلاة الرَّغائب -هذِه-، والحقُّ فيها كان لمن نَهَى عنها؛ لعَدم الثُّبوت فيها، وقد نشرَ هذهِ المساجلةَ بعضُ الأفاضل -في هذا العَصر-.
وإذْ قد ذكرنا الصَّلاةَ بين المغربِ والعشاء -تخصيصًا-، وبيَّنَّا أنَّها لا تَثبتُ عن النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- في رجب؛ فكذلك نقول: لا تَثبت -كذلك- في غيرِ رجب؛ إلا ما وَرَد مِن سُنَّة المغرب البَعديَّة، أو النَّفل المُطلَق.
أمَّا ما اعتادهُ بعضُ النَّاس مما يُسمَّى «صلاة الأوَّابين»؛ فهذا لا يَثبت.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1178