نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1176
اطلعتُ على ما نشرتْه صحيفة (النَّدوة) في عددِها الصَّادر بتاريخ 30/ 11/1384هـ تحت عنوان: (تكريم المرأة .. وتكريم الأسرة)؛ فألفيتُ الكاتب قد حبذ من بعض الوجوه ما ابتدعتْه الغربُ من تخصيص يوم في السَّنة يُحتفل فيه بالأم، وأورد عليه شيئًا غفل عنه المفكِّرون في إحداث هذا اليوم؛ وهي ما ينال الأطفال الذين ابتُلوا بِفقدِ الأم من الكآبةِ والحُزن حينما يَرون زُملاءَهم يحتفلون بتكريم أمَّهاتِهم، واقترحَ أن يكونَ الاحتِفال للأسرةِ -كلِّها-، واعتذر عن عدم مجيء الإسلام بهذا العيد؛ لأن الشَّريعة الإسلاميَّة قد أوجبت تكريم الأم وبرها في كل وقت فلم يبقَ هناك حاجة لتخصيص يوم من العام لتكريم الأم.
ولقد أحسن الكاتب فيما اعتذر به عن الإسلام، وفيما أورده من سيئة هذا العيد التي غفل عنها مَن أحدَثه، ولكنَّه: لم يُشِر إلى ما في البدع من مُخالفة صريح النُّصوص الواردة عن رسول الإسلام -عليه أفضلُ الصَّلاة والسَّلام-، ولا إلى ما فيه ذلك من الأضرار ومُشابهة المُشرِكين والكفار؛ فأردتُ بهذه الكلمة الوجيزة أن أُنبِّه الكاتب -وغيرَه- على ما في هذه البدعة وغيرها مما أحدثه أعداءُ الإسلامِ والجاهِلون به مِن البدع في الدِّين؛ حتَّى شوَّهوا سُمعتَه ونفَّروا النَّاس منه، وحصل بسبب ذلك من اللَّبس والفُرقة ما لا يعلم مدى ضرَره وفسادَه إلا الله -سُبحانه-.
وقد ثبت في الأحاديث الصَّحيحة عن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- التَّحذير من المحدَثات في الدِّين، وعن مُشابهة أعداء الله من اليهود والنَّصارى وغيرهم من المُشرِكين؛ مثل قولِه -صلى اللهُ عليهِ وسلم-: " مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليس مِنه؛ فهو ردٌّ " (1) متَّفق عليه، وفي لفظٍ لـ"مُسلم": " مَن عملَ عملًا ليس عليه أمرُنا؛ فهو ردٌّ " (2)؛ والمعنى: فهو مردود على من أحدَثه، وكان -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول في خطبتِه يوم الجمعة: " أمَّا بعدُ: فإنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، وشرَّ الأمور محدَثاتها، وكل محدَثة بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النَّار " (3) خرَّجه مسلم في "صحيحه".
ولا ريب أن تخصيص يوم من السَّنة للاحتفال بتكريم الأم أو الأسرة مِن محدَثات الأمور التي لم يفعلها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ولا صحابتُه المرضيُّون؛ فوجب تركُه، وتحذيرُ النَّاس منه، والاكتفاء بما شَرَعه الله ورسولُه.
وقد سبق أن الكاتب أشار إلى أن الشَّريعة الإسلاميَّة قد جاءت بتكريم الأم والتَّحريض على بِرِّها كلَّ وقتٍ، وقد صَدَق في ذلك؛ فالواجب على المسلمين: أن يَكتَفُوا بما شرعه الله لهم مِن بِرِّ الوالدة وتعظيمها والإحسان إليها والسَّمع لها في المعروف كلَّ وقت، وأن يَحذَروا مِن محدثات الأمور التي حذَّرهم الله منها، والتي تُفضي بهم إلى مُشابهة أعداء الله، والسَّير في ركابهم، واستِحسان ما استحسنوه مِن البدع، وليس ذلك خاصًّا بالأم؛ بل قد شرع الله لِلمسلمين برَّ الوالِدَين -جميعًا- وتكريمهما، والإحسانَ إليهما، وصِلة جميع القرابة، وحذَّرهم -سُبحانَه- مِن العقوق والقطيعة، وخصَّ الأمَّ بمزيد العناية والبِر؛ لأن عنايتَها بالولد أكبر، وما ينالها مِن المشقة في حَملِه وإرضاعِه وتربيتِه أكثر.
وصحَّ عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنه قال: " ألا أُنبِّئكم بأكبر الكبائر؟ "، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: " الإشراكُ بالله وعقوق الوالِدَين "، وكان متكئًا فجلس وقال: " أَلا وقول الزُّورِ، ألا وشهادة الزُّور " (7).
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1176