نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1122
فإذا كان هذا قاله النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في حقِّ عليٍّ؛ فالصِّدِّيقُ بالأولى وأحرَى؛ لأنَّه أفضلُ الخلْق بعد النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، ومذهب عُمر وعليٍّ -رضيَ اللهُ عنهُما- أنَّ مَن فضَّل على الصِّدِّيق أحدًا؛ فإنَّه يُجلَد حدَّ المُفتري.
فروى شُعبةُ، عن حُصين، عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى: أن الجارودَ بن المعلَّى العَبْدِي قال: أبو بكر خيرٌ مِن عُمر، فقال آخرُ: عُمر خيرٌ مِن أبي بكر. فبلغ ذلك عمرَ؛ فضربَه بالدِّرَّة حتى شغر بِرِجلَيه، وقال: «إنَّ أبا بكرٍ صاحبُ رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، وكان أخيرَ النَّاس في كذا وكذا، مَن قالَ غيرَ ذلك؛ وجبَ عليه حدُّ المُفتري».
وروى حجَّاج بن دِينار، عن أبي مَعشر، عن إبراهيم، عن علقمةَ، قال: سمعتُ عليًّا -رضيَ اللهُ عنهُ- يقول: «بلغني أنَّ قومًا يُفضِّلونني على أبي بكرٍ وعُمر، مَن قال شيئًا من هذا؛ فهو مُفترٍ؛ عليه ما على المفتري».
وعن أبي عُبيدة بن الحكم، عن الحكم بن جَحْل، أن عليًّا -رضيَ اللهُ عنه- قال: لا أُوتى بِرجلٍ فضَّلني على أبي بكرٍ وعُمر إلا جلدتُه حدَّ المفتري.
وقال النَّبي -صلَّى اللهُ عليه وسلم-: «مَن قال لأخيهِ: يا كافر! فقد باءَ بها أحدُهما».
فأقولُ: مَن قال لأبي بكرٍ ودونه: يا كافِر! فقد باء القائلُ بالكُفر -هُنا- قطعًا؛ لأنَّ الله -تَعالى- قد رضيَ عن السَّابِقين الأوَّلين، قال -تَعالى-: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}، ومَن سبَّ هؤلاء؛ فقد بارزَ اللهَ -تَعالى- بالمُحارَبة؛ بل مَن سبَّ المسلمين وآذاهُم؛ فقد قدَّمنا أن ذلك من الكبائر؛ فما الظنُّ بمَن سبَّ أفضلَ الخلْق بعد رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-؟! لكنَّه لا يخلد بذلك في النَّار؛ إلا أنْ يعتقدَ نبوَّة علي -رضيَ اللهُ عنه-، أو أنَّه إله؛ فهذا ملعونٌ كافر» اهـ كلام الإمام الذهبي -رحمهُ اللهُ- من كتاب «الكبائر».
قال الشَّيخ مشهور بن حسَن -حفظهُ اللهُ- في تعليقِه - (حاشية6، ص416 - 418):
«تكفير سابِّ الصَّحابة العقدي المُخرِج مِن المِلَّة أوسعُ مما ذكرَهُ المصنِّف.
ونُنبِّه -هُنا- إلى أُمور:
أولًا: أجمعَ العلماءُ القائلون بعدم تكفير سابِّ الصَّحابة على أنَّ سبَّهم فِسق وكبيرةٌ من الكبائر.
ثانيًا: القول بتكفيرِ مَن يطعنُ في جميعِ الصَّحابة لا مَحيدَ عنه؛ بل هو مِن المسلَّمات؛ إذ أنَّه يؤدِّي إلى إبطال الشَّريعة، ومحال أن تركن النُّفوس وتطمئن إلى شريعةٍ نقَلَتُها ضُلَّال كفرةٌ أو فسَقَة!!
ثالثًا: قال علي القاري في «شمِّ العوارض»، (ص61 - 62): «مَن سبَّ أحدًا من الصَّحابةِ؛ فهو فاسقٌ ومُبتدِعٌ بالإجماع؛ إلا إذا اعتقدَ أنَّه مُباح -كما عليه بعضُ الشِّيعةِ وأصحابهم-، أو يترتَّب عليه ثواب -كما هو دأبُ كلامهم-، أو اعتقدَ كُفرَ الصَّحابةِ وأهل السُّنة في فصل خطابهم؛ فإنَّه كافر بالإجماع».
رابعًا: إن مَن صادمَ نصًّا صريحًا، وأنكرَ دليلًا قاطعًا؛ فلا رَيبَ في كُفرِه وضلاله، ومِن هذا المُنطلق: ذهبنا في التَّعليق على (ص210 - 211) إلى تكفير مَن قذف السِّيدةَ عائشةَ أم المؤمنين؛ لأنَّ في قذفِها تكذيبًا للقُرآن، ومُصادمةً لنُصوصِه الصَّريحةِ في براءتِها وطهارتِها، وكذا الحُكم فيمَن أنكر صُحبة سيِّدنا أبي بكرٍ الصِّدِّيق -رضيَ اللهُ عنه-، وهذا هو المُقرَّر عند العلماء.
خامسًا: مَن سبَّ أحدًا من الصَّحابةِ من حيث أنَّه صحابيٌّ؛ فبِلا شكٍّ أن في ذلك تعريضًا بِسبِّ النَّبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، وإيذاءً له؛ يخرجُ به السَّابّ مِن الدِّين، ويلحق بحظيرةِ الكافِرين؛ كما قال السُّبكي في «فتاويه» (2/ 575)، وصاحب «نسيم الرِّياض» (4/ 564)، وعلي القاري في «شمِّ الرَّياحين»، ومن ثمَّ في «سلالة الرِّسالة» (ص22).
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1122