نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1105
وقفات مع تهمة العمالة للعدو
ـ[عمر بن عبد المجيد]ــــــــ[23 - 03 - 2011, 07:05 ص]ـ
وقفات مع تهمة العمالةللعدوّ
د/ عبد المجيد البيانوني
يتراشق الناس من مختلف الاتّجاهات الفكريّة والسياسيّة تهمة العمالة للعدوّ، ويبرّرون بذلك مسالكهم تجاه من يختلفون معهم .. ويصطفّ أناس مع هذا الفريق، ويصطفّ آخرون مع الفريق الآخر .. ويبرّر لنفسه من يملك قوّة السلطة التنكيل بمخالفيه تحت هذه التهمة، وبدعوى الوطنيّة والغيرة على الوطن .. وتضيع الحقيقة بين أدعيائها ..
ولقد مضى زمان كانت فيه نماذج العمالة تستخفي وتتوارى، وتتاجر بشعارات الدين والوطنيّة إلى أبعد حدود المخادعة والمخاتلة، ووقع ضحيّتها العامّة والخاصّة .. وأصبحنا في زمن لا يقبل فيه من العملاء في أكثر الأحيان أن يتواروا عن الناس بأفعالهم، أو يتستّروا على سوآتهم .. ومع ذلك فأكثر العمالة حتّى اليوم يخفى على عامّة المثقّفين، ولا يعلن تحت الشمس، وفي وضح النهار ـ إلاّ في نادر الأحوال ـ فكيف لنا أن نكون منصفين موضوعيّين، في التحقّق من التهمة، أو الحكم على الناس.؟!
وإنّ أوّل خطوة لتحقيق ذلك أن يضبط المصطلح ويحرّر، فلا يكون حمّال أوجه، وسلاح مضارّة ومكايدة، يعبث به من شاء كيف شاء، كما لا يكون مفهوماً مطّاطيّاً، يتّسع لأدقّ المعاني، كما يشمل أوسعها ..
وضبط هذا المصطلح وتحريره يقتضي التمييز بين العمالة المباشرة، وغير المباشرة، الصريحة المعلنة، والضمنيّة الخفيّة، وملاحظة أنواع العمالة ودرجاتها، ومظاهرها وأساليبها ..
وكلّ ذلك قد يتّسع به القول ليخرج بنا عن كتابة مقالة موجزة .. ولعل في هذا ما يعذرنا بالإشارة والإجمال عن التوسّع والتفصيل ..
وإنّ الصورة الإجماليّة العامّة في كتاب الله تعالى أنّ من لم يكن من أولياء الرحمن وحزبه، فهو من أولياء الشيطان وحزبه حالاً أو مآلاً ..
ومع أنّها صورة تحتاج إلى تفصيل وبيان لبعض مكوّناتها وأجزائها، واستثناء لا تخفى أهمّيّته، مقتبس أيضاً من كتاب الله، ولكنّ الوقوف معها، حتّى يقوم الدليل على الاستثناء لواقع بعينه أولى وأحكم، وأجدى وأحزم، من الانسياق وراء الأوهام، أو حسن الظنّ في غير أهله ومحلّه ..
وقفة مع العنوان: نحن في هذا العنوان أمام ثلاث كلمات: التهمة والعمالة والعدوّ .. فالتهمة في منطق العدل تحتاج إلى بيّنة ودليل، لتخرج عن حدّ التهمة إلى رحاب الحقيقة، والعمالةتحتاج إلى بيان حقيقتها وتحديد مفهومها، والعدوّ لا بدّ من تمييزه غيره، كيلا نحشر أنفسنا في زاوية ضيّقة في هذا العالم الفسيح، فنجني على أنفسنا وديننا ..
ومقتضى هذه الكلمات أن نعرف أنفسنا أوّلاً، لنحدّد موقعنا وعلاقاتنا في خارطة الوجود الإنسانيّ ومتغيّراته، فنقول:
نحن أمّة رسالة وحضارة، لها كيانها الجغرافيّ والتاريخيّ، ولها هوّيّتها وانتماؤها، وحقوقها ومصالحها، ولا عجب أن يكون لها في هذا الوجود الإنسانيّ الأبناء الأولياء، والأصدقاء والأعداء؛ فالعدوّ كلّ من يعتدي على هوّيّتها وانتمائها، وحقوقها ومصالحها، أو ينتقص شيئاً من ذلك، أو يساعد عدوّها على انتقاص حقوقها ومصالحها، والصديق كلّ من يسلّم بهوّيّتها وانتمائها، ويدافع عن حقوقها ومصالحها ..
فالانتماء والهوّيّة، والوجود الجغرافيّ والتاريخيّ للأمّة، هي المعيار الموضوعيّ، والبوصلة والمؤشّر الذي يميّز الوجود الذاتيّ للأمّة، ويحدّد لها صديقها من عدوّها .. ويعبّر عن الهوّيّة والانتماء الولاء لله ورسوله e، وللمؤمنين، ويضادّهما التبعيّة والتغريب ..
وأيّ موقف أو سلوك إنسانيّ إمّا أن يصبّ في مصلحة الانتماء والهوّيّة، والوجود الجغرافيّ والتاريخيّ للأمّة، فيقوّي الأمّة، ويعزّز قدرها بين الأمم ومكانتها، أو يقوم على انتقاص ذلك، والعدوان على الأمّة بصورة من الصور، فيصبّ في مصلحة عدوّها وأهدافه، ولا ثالث لذلك بحال من الأحوال .. فتلك معايير كاشفة، أدلّتها وبيّناتها من تاريخنا القديم وواقعنا المعاصر أكثر من أن تحصى أو تحصر، وأوضح من أن تذكر ..
وتأسيساً على ذلك نقول في بيان حقيقة العمالة وأنواعها ودرجاتها، ومظاهرها وأشكالها، وما قد يلتبس بها ويشبهها، وهو ليس منها:
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1105