الحمدُ للهِ، ولا حولَ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ، وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على عَبدِهِ ورسولِه، نبيِّنا محمَّد، وعلى آلِه، وصحبِه، ومَن والاه.
وبعدُ: فإنَّ المُشتغلين بالعِلم الشَّرعيِّ مِن أهل السُّنَّة والجماعةِ السَّائرينَ على ما كان عليهِ سَلَف الأمَّةِ هُم أحوجُ -في هَذا العَصرِ- إلى التَّآلُفِ، والتَّناصُح فيما بينهم، لا سِيَّما وهُم قِلَّةٌ قليلةٌ بالنِّسبةِ للفِرَق والأحزاب المُنحرِفة عما كان عليه سَلَفُ الأمَّةِ.
وقبلَ أكثر مِن عشر سنواتٍ، وفي أواخر زمنِ الشَّيخَين الجليلَين -شَيخِنا الشَّيخِ عبدِ العزيز بنِ بازٍ، والشَّيخِ محمَّد بنِ عثيمين-رَحِمهما اللهُ-: اتَّجهتْ فئةٌ قليلةٌ جدًّا مِن أهل السُّنَّة إلى الاشتِغال بالتَّحذير من بعض الأَحزَابِ المُخالفة لما كان عليه سَلَفُ الأمَّةِ، وهو عَملٌ مَحمودٌ ومَشكور.
ولكنَّ المؤسِفَ: أنَّه بعد وفاة الشَّيخَين؛ اتَّجهَ بعضُ هذهِ الفِئةِ إلى النَّيل مِن بعض إخوانِهم مِن أهل السُّنَّة الدَّاعين إلى التَّمسُّك بما كان عليه سَلَفُ الأمَّةِ -مِن داخل البلادِ وخارجِها-، وكان مِن حقِّهم عليهم أن يَقبَلُوا إحسانَهم، ويَشُدُّوا أَزرَهُم عليه، ويُسدِّدوهم فيما حصل منهم مِن خطأ -إذا ثَبت أنه خطأ-، ثُمَّ لا يشغلون أنفسَهم بعمارة مجالِسِهم بِذكْرِهم والتَّحذير منهم؛ بل يَشتغِلون بالعِلم -اطِّلاعًا، وتعليمًا، ودعوةً-.
وهذا هُو المنهجُ القَويمُ للصَّلاحِ والإصلاحِ الذي كان عليهِ شيخُنا الشَّيخُ عبدُ العزيز بن بازٍ -إمامُ أَهْل السُّنَّةِ والجماعة في هذا العصر-رحمهُ اللهُ-.
والمشتَغِلون بالعلم مِن أهل السُّنَّة في هذا العَصْر قَليلون، وهم بِحاجةٍ إلى الازديادِ لا إلى التَّناقُص، وإلى التَّآلُف لا إلى التَّقاطُع، ويُقال فيهم مثل ما قال النَّحويُّون: «المُصغَّرُ لا يُصغَّر».
قال شَيخ الإسلامِ -في «مَجموع الفَتاوَى»، (28/ 51) -: «وتَعلمون أنَّ مِن القواعد العظيمةِ التي هي جُمَّاع الدِّين: تأليفُ القلوبِ، واجتِماعُ الكلمةِ، وصلاحُ ذات البَيْن؛ فإن اللهَ -تَعالَى- يقولُ: ?فاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ?، ويقولُ: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَميعًا وَلا تَفَرَّقُوا?، ويقولُ: ?وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جَاءَهُمْ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظيمٌ?، وَأمثال ذلك مِن النُّصوص الَّتي تأمُرُ بالجماعةِ والائتِلاف، وتَنهَى عن الفُرقةِ والاختلاف.
وأهلُ هذا الأصلِ: هُم أهلُ الجماعة؛ كما أنَّ الخارجين عنه: هُم أهلُ الفُرقةِ».
وقد كتبتُ في هذا الموضوعِ رِسالةً بعنوان: «رِفقًا -أهلَ السُّنَّة- بِأهلِ السُّنَّة» -طُبعتْ في عام 1424هـ، ثم في عام 1426هـ، ثمَّ طُبعتْ ضِمن «مجموع كُتبي ورسائلي» (6/ 281 - 327) في عام 1428هـ-، أوردتُ فيها كثيرًا مِن نُصوص الكتابِ والسُّنَّة وأقوالِ العُلماء المحقِّقين مِن أهل السُّنَّة.
وقد اشتملت الرِّسالة -بعد التَّقديم- على الموضوعات التَّالية:
- نِعمة النُّطق والبيان.
- حِفظ اللِّسان مِن الكلام إلا في خيرٍ.
- الظَّن والتَّجسُّس.
- الرِّفق واللِّين.
- موقف أهلِ السُّنَّة مِن العالِم إذا أخطأ: أنه يُعذَر؛ فلا يُبدَّع، ولا يُهجَر.
- فِتنة التَّجريح والهَجر مِن بعض أهلِ السُّنَّة -في هذا العَصْر-، وطريق السَّلامة منها.
- بدعة امتِحان النَّاسِ بالأشخاص.
- التَّحذير مِن فِتنة التَّجريح والتَّبديع مِن بعض أهل السُّنَّة -في هذا العَصْر-.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1096