responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1091
قال -تَعالى-: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حتَّى يُغنِيَهمُ اللهُ مِن فَضلِهِ} [النور: 33]، والاستعفاف: هو تركُ المنهي عنه؛ كما في الحديثِ الصَّحيح عن أبي سعيدٍ الخدري عن النَّبي -صلى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّه قال: «مَن يستعفِف؛ يُعفَّه الله، ومَن يستغنِ يُغنِه اللهُ، ومَن يتصبَّر؛ يُصبِّرهُ اللهُ، وما أُعطِي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصَّبرِ».
فالمستغني: لا يَستشرفُ بِقلبِه، والمستعْفِف: هو الذي لا يَسألُ النَّاسَ بِلسانِه، والمُتصبِّر: هو الذي لا يتكلَّف الصَّبر.
فأخبر أنَّه مَن يتصبَّر؛ يُصبِّره الله.
وهذا كأنَّه في سياق الصبر على الفاقةِ؛ بأنْ يصبِر على مَرارةِ الحاجةِ؛ لا يجزع مما ابتُليَ به مِن الفقر، وهو الصَّبر في البأساءِ والضَّرَّاء، قال -تَعالى-: {وَالصَّابِرينَ في البَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة: 177].
والضَّرَّاء: المرض، وهو الصبر على ما ابتُلي به مِن حاجةٍ ومرضٍ وخوفٍ، والصَّبر على ما ابتُلي به باختِيارِه كالجِهاد؛ فإن الصَّبر عليه أفضل من الصَّبر على المرض الذي يُبتلَى به بغيرِ اختِيارِه؛ ولذلك: إذا ابتُلي بالعنت في الجهاد؛ فالصبر على ذلك أفضل من الصبرِ عليه في بلدِه؛ لأن هذا الصبرَ من تمام الجِهاد، وكذلك لو ابتُلي في الجهادِ بِفاقةٍ أو مرضٍ حصل بسببِه؛ كان الصبرُ عليه أفضل، كما قد بسط هذا في مواضع.
وكذلك ما يُؤذَى الإنسانُ به في فِعله للطَّاعات كالصَّلاةِ والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر وطلب العِلم من المصائب؛ فصبرُه عليها أفضل من صبرِه على ما ابتُلي به بدون ذلك.
وكذلك إذا دعتْه نفسُه إلى محرَّماتٍ -مِن رئاسةٍ، وأخذ مالٍ، وفعل فاحشةٍ-؛ كان صبرُه عنه أفضل من صبرِه على ما هو دون ذلك؛ فإنَّ أعمالَ البِرِّ كلَّما عظمت؛ كان الصبرُ عليها أعظم مما دونهما.
فإن في العلم والإمارةِ والجهادِ والأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر والصَّلاة والحجِّ والصَّوم والزَّكاة من الفتن النَّفسيَّة وغيرها ما ليس في غيرِها، ويعرض في ذلك ميل النَّفس إلى الرئاسة والمال والصُّوَر، فإذا كان النَّفس غير قادرةٍ على ذلك؛ لم تطمع فيه كما تطمع في القدرة؛ فإنها مع القدرةِ تطلب تلك الأمورَ المحرَّمة بخلاف حالها بدون القدرة؛ فإن الصبرَ مع القدرة جهادٌ؛ بل هو مِن أفضل الجِهاد وأكمل مِن ثلاثة وُجوه:
أحدها: أن الصبر عن المحرَّمات أفضل من الصبر على المصائب.
الثَّاني: أن تركَ المحرَّمات مع القدرة عليها وطلب النفس لها أفضل مِن تركِها بدون ذلك.
الثَّالث: أن طلب النَّفس لها إذا كان بسببِ أمرٍ ديني؛ كمَن خرج لصلاةٍ أو طلب علمٍ أو جهادٍ فابتُلي بما يميل إليه من ذلكَن خرج لصلاةٍ أو طلب علمٍ أو جهادٍ فابتُلي بما يميل إليه من ذلك؛ فإن صبره عن ذلك يتضمَّن فِعل المأمور، وترك المحظور، بخلاف ما إذا مالت نفسُه إلى ذلك بدون عملٍ صالح.
ولهذا: كان يونس بن عُبيد يوصي بثلاثٍ؛ يقول: لا تدخل على سُلطانٍ وإن قلتَ: آمرهُ بطاعةِ الله، ولا تدخل على امرأةٍ وإن قلتَ: أعلمُها كتابَ الله، ولا تُصغِ أذنك إلى صاحبِ بدعة وإن قلت: أرد عليه.
فأمرُ بالاحتِراز من أسباب الفتنة؛ فإن الإنسان إذا تعرَّض لذلك؛ فقد يفتتن، ولا يسلم.

يتبع إن شاء الله

ـ[أم محمد]ــــــــ[29 - 04 - 2011, 02:43 م]ـ
مجلس في «الابتِلاء بالمَصائِب»
ما يصيب المؤمنَ في الدُّنيا من المصائبِ؛ هي بمنزلةِ ما تُصيب الجسم من الألم يصحُّ بها الجسمُ وتزولُ أخلاطُه الفاسدة، كما قال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «ما يُصيبُ المؤمنَ مِن وصبٍ ولا نصَبٍ ولا همٍّ ولا حزنٍ ولا غمٍّ ولا أذًى حتى الشَّوكة يُشاكُها؛ إلا كفَّر اللهُ بها خطاياهُ»، وذلك تحقيقٌ لقولِه: {مَن يعمل سوءًا يُجْزَ بِهِ} [النِّساء: 123].
ومَن لم يطهَّر في هذه الدُّنيا مِن هذه الأمراض فيؤوب صحيحًا؛ وإلا احتاجَ أن يطهَّر منها في الآخرة فيعذِّبه الله؛ كالذي اجتمعتْ فيه أخلاطُه، ولم يستعمل الأدوية لتخفيفِها عنه؛ فتجتمع حتى يكون هلاكُه بها.
¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1091
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست