responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1083
قصة الفقير مع صاحبه
ـ[أم محمد]ــــــــ[08 - 04 - 2011, 11:52 م]ـ
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
كان رجلٌ فقيرٌ قد طال فَقرُه، وكان فيه بقيَّة مِن إنسانيَّة.
فشكا إلى صاحبِهِ -الَّذي يعرفُ فيه النُّصحَ والرَّأي السَّديدَ- حالَه، فقال:
قد كنَت تَعرفُ حالي في الفَقر، وأنا مُتواطئٌ على الفَقرِ؛ ولكنِّي أُريدُ منكَ نَصيحةً تُخفِّف عني بعضَ ما أجدُه مِن الهُمومِ التي لازَمَتْني -في ليلي ونَهاري-، وهي زِيادةٌ عما أجدُ مِن ألَمِ الفقرِ وبِأسائِه وعَنائِه.
فقال له صاحبُه:
يا أخي! اعلمْ أنَّ الفُقراء نوعان:
أحدهما: فقيرٌ شريفٌ.
والآخَر: فَقيرٌ وَضيعٌ.
فاجتهِد أن تكونَ مِن الشُّرفاءِ الذين فَقرُهم لا يتعدَّى فقرَ الإفلاس مِن الموجودات الماليَّة.
وإيَّاك أن تتصفَ بِصفات الفُقراء السَّاقِطين الذين افتقرتْ أيديهم وقُلوبُهم، كما بيَّن ذلك النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في قوله: «ليسَ الغِنى عن كَثرَةِ العرضِ؛ إنَّما الغنى: غنَى النَّفسِ، أو غنى القَلبِ».
فعلم بهذا الحديثِ الشَّريف أن المدارَ -كلَّه- على ما في القُلوبِ مِن الأوصافِ الطيِّبةِ أو الدَّنيئةِ في حقِّ الغنيِّ والفقير.
فمَن كان قلبُه غَنيًّا بالله؛ فهو الغنيُّ حقيقةً، ولو كان فقيرًا.
ومَن كان قلبُه فقيرًا إلى الأغراضِ، وإلى الخَلْق؛ فهو الفقيرُ حقيقةً، ولو كان مُثريًا.
فمتى علمتَ أن اللهَ -تَعالى- حكيمٌ في جميع تدبيراتِه، وأنَّه لطيفٌ بعبادِه المخلِصين، قد يُقدِّر عليهم مِن الأقدارِ الكريهةِ للنُّفوس ما يكون سببًا ووسيلةً لخيرِهم وثوابِهم، وأنَّ الله قد ابتلَى بِالفقرِ كثيرًا مِن أوليائِه وأصفيائِه، وأنَّ مَن صبرَ على شِدَّتِه، واحتسب ذلك عند الله؛ لم يَزلْ في زيادةٍ في إيمانِه وثوابِه، وخصوصًا إذا ضمَّ إلى هذا الوصفِ قوَّة الرَّجاء والطَّمع في فضلِ الله، وأنَّ الله سيُزيلُ فَقرَهُ وسيجعلُ اللهُ بعد عُسرٍ يُسرًا.
متى تحقَّق بذلك؛ هانت عليه وطأةُ الفقرِ وشدتُه؛ لما حصل له في مُقابلتِه مِن الخير، ولما يَرجوه مِن الفضل والثَّواب.
ومما يخفِّف ذلك: أن يَعلمَ أن حُزنَه وهمَّه لا يُخفِّف مِن فقرِه ومُصيبتِه؛ بل يزيدُ ذلك؛ فكيف يسعَى العاقلُ في زيادةِ عنائِه؟ وكيف لا يتسبَّب في تخفيفِ بَلائِه؟
ثم اعلَم -أخي الفقير- أنَّ أكبرَ العِلل التي توجِبُ الهمَّ والغمَّ، وتُسقط إنسانيَّة العبدِ وحرِّيتَه: تعلُّقُه بالمخلوقِين -سؤالًا لهم، وذُلًّا، ورجاءً، وطمعًا فيما يناله منهم-.
وأنَّ مَن كان كذلك: فإنه مُقيَّد النَّفس، رقيق القلب لغيرِ الله، قد انقطعَ رجاؤُه ممن كلُّ خير في رجائِه، وكلُّ الأمور عنده، ومفاتيحُ الأرزاق بيده، إلى مَن لا يملك له نفعًا ولا ضرًّا، ولا يُريد له الخير، وليس له مِن الأمر شيءٌ، وهو فقير مثله!
فمتى علَّقت رجاءكَ -كلَّه- بالله، واحتسبتَ الأمل عند الله، وسلِمتَ مِن التَّعلُّق بالمخلوقين، ورجوتَ زوالَ عُسرِك؛ أبدلك اللهُ بِهمِّك فرحًا، وبِكدرِك راحة، ويسَّر الله لك الأمورَ، وأوقع في قلبِك القناعةَ التي مَن مَلَكَها مَلَكَ الكنزَ الأكبر، وقد ضمِن الله للمُتَّقي أن يجعلَ له مِن كلِّ همٍّ فَرَجًا، ومِن كلِّ ضيقٍ مخرجًا.
وأما قولُك -يا أخي-: إنِّي مُتواطئ على الفقرِ؛ فهو كلامٌ غالط مِن وجهَين:
أحدهما: أنَّه لا ينبغي لك أن تيأسَ مِن رَوح اللهِ ورحمتِه وفضلِه وإحسانِه.
الثَّاني: يجبُ عليك أن تسعَى بِكلِّ سببٍ يُزيل فقرَك، أو يُخفِّفه؛ فاعملْ بالأسباب النَّافعة مِن بيعٍ، أو شراءٍ، أو حِرفة، أو خِدمة، أو ما يُناسب حالَك وتُحسِنُه مِن الأسباب؛ فقد قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «لأَنْ يأخُذَ أَحدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ فَيَبيعَهُ فَيَكُفَّ اللهُ وَجهَهُ؛ خَيرٌ له مِنْ أنْ يَسْأَلَ النَّاسَ؛ أَعطَوهُ، أَو مَنعُوهُ».
ومتَى عمِلتَ بالأسبابِ بهذه النِّيَّة -نيَّة الاستِعفاف والاستِغناء عن النَّاس-؛ يسَّر الله أَمرَك، وبارك لكَ في الشَّيءِ القليل، وسلِمتَ من الفَقرِ الوضيعِ -وهو فقرُ القلبِ لِغيرِ الله-، ودخول الفقيرِ في معاصي الله، وفي الأمورِ الدَّنيئةِ الضَّارَّة، التي إذا ابتُلي به العبدُ عُوقبَ بِعِدَّة عقوباتٍ؛ أقلُّها: أنَّها سببٌ لِبقاءِ فَقرِه وزيادَتِه -كما هو مُشاهَد مُجرَّب-.
وأكثرُ الفقراءِ قد جمعوا بين فَقرِ الدُّنيا والآخرة: فقرِ القُلوب، وفَقرِ الإفلاس والافتِقار إلى المخلُوقِين، وتعلُّق القُلوب بهم، والذُّلِّ الوَضيع لهم.
وهذا نهاية الهُبوط والسُّقوط.
فالموفَّق الحازِم يَستعيذُ باللهِ مِن هذه الحال، ويعملُ الأسبابَ الواقيةَ والدَّافعةَ -كما ذكرنا-.
واللهُ -تَعالى- هو الموفِّق المُعين.
نقلًا من «الرياض النَّاضرة»، للسَّعدي -رحمهُ اللهُ-، (197 - 200).

ـ[صالح العَمْري]ــــــــ[11 - 04 - 2011, 03:36 م]ـ
بارك الله فيك وجزاك خيرا.
ومَن كان قلبُه فقيرًا إلى الأغراضِ، وإلى الخَلْق؛ فهو الفقيرُ حقيقةً، ولو كان مُثريًا.

لعل صوابها: الأعراض، بالعين المهملة، إن كان العَرَض -وهو المال- يجمع على أعراض، والله أعلم.

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1083
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست