responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 106
8ـ المواقف التي تستفز الإنسان لها فوائد كثيرة، فهي تدرب على الصبر، وتشحذ العزيمة، وتثير الذهن، فيأتي بالأفكار والمعاني التي لم تكن لتخطر له لولا هذا الموقف ..
وكم مِنْ أعمالٍ علميةٍ عظيمةِ الفوائد، كان سببها: التدافع والاختلاف في المواقف والأفكار ..
أو وجود أعداء يريدون الإساءة، مما أدى بكثير من الناس إلى ردة فعل معاكسة دعتهم إلى الانتصار للحق.

فمن العقل والحكمة أن يتعامل الإنسان مع مَنْ يختلف معه، ولا يقتصر على مَنْ يوافقه ..
فالذي لا يتعامل إلا مع مَنْ يوافقه، سيخسر الكثير من الفوائد، ولن تتاح له الفرصة ليكون أكثر نضجاً وعقلاً واتزاناً ..

9ـ يذمُّونَ شخصاً، لأنه تغيَّرَ ولم يَعُدْ كما كان عليه!
وهل التغير لا يكون إلا إلى الأسوأ؟ أليس هناك تغير إلى الأحسن!
فما معنى أنَّ الحقَّ قديمٌ والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ..
ألم يقل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسألة: (تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا يَوْمَئِذٍ، وَهَذِهِ عَلَى مَا قَضَيْنَا اليَوْمَ) ..

وهل يمكن للإنسان عندما يزداد علماً وفهماً أن تبقى أفكاره كما كانت قبل أن يزداد علماً ..
أليس للإمام الشافعي: المذهب القديم والمذهب الجديد؟
أليس للإمام أحمد أكثر من رواية في كثير من المسائل؟
ثم بعد كل هذا يأتي من يلمز الآخر وينتقصه بحجة أنه تغير!
ولا شك أن الحديث عن التغير في الظنيات والوسائل، وليس في القطعيات والمحكمات.
ولكن من الخلل الكبير أيضاً أن يحسب أحدهم أن كل مسألة اقتنع بها هي قطعية لا يصح فيها الاختلاف، وأن كل ما نشأ عليه هو الحقُّ وما سواه هو الضلال ..

10ـ الإمام أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري والإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمهما الله هما من أكبر تلاميذ الإمام أبي حنيفة رحمه الله، ومع هذا لم يتعصب الصاحبان لقول الإمام أبي حنيفة، فكثيراً ما يذكر الفقهاء قول الإمام أبي حنيفة ومخالفة الصاحبَيْن له، وقد تكون الفتوى في المذهب على قولهما ..

لقد كانوا يعلمون أنَّ الانتصارَ للحقِّ هو انتصارٌ للإمامِ نفسِه، وليس الدفاع عن قول الإمام بحقٍّ أو بغير حقٍّ هو انتصارٌ له ..

كم هو الفرق كبير بين هذا الموقف ـ من الإمام في تقبله للحوار ومن تلاميذه في نقدهم له ـ وبين موقف بعض الأساتذة الذين لا يقبلون النقاش من تلاميذهم، وكذلك بعض التلاميذ الذين لا يتقبلون من أحد أن ينتقد أستاذهم ..

11ـ بعض الذين ليس لهم معرفة ودراية بحقيقة العلم وعمقه واتساعه إذا ذكرتَ له قولَ أحدِ الأئمةِ الأربعةِ أو غيرِهم من الأئمة والعلماء .. يقول لك غاضباً مستنكراً: أنا أريد الأخذ بالدليل!

وهل الأئمة الأربعة وغيرهم من العلماء لا يأخذون بالدليل؟ سواء أكان الدليل نصاً أم قياساً على نص، أو سواء أكان الدليل نقلياً أم عقلياً ..

أو يريد بعضُهم الأخذَ بفقه السنة، مع أنَّ جميعَ هؤلاء الأئمةِ فقهه هو فقهٌ للسنة، فكلُّهم من أصول مذهبهم: الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
لكن القرآن والسنة فيهما ما يحتمل أكثر من دلالة، وفيهما العام والخاص، والمطلق والمقيد، وفيهما ما هو ناسخ وما هو منسوخ، وغير ذلك ..
فهل يستطيع أي إنسان أن يميز بين دلالات الألفاظ المختلفة، ويفرق بين الناسخ والمنسوخ .. وهل يستطيع أن يجمع بين الأدلة إذا تعارضت في الظاهر ..

فكل الأئمة يريدون الأخذ بالدليل، ولكن السؤال: هل ثبت الدليل وصح عند هذا الإمام؟ فإذا ثبت وصح، فكيف فهم هذا الدليل .. وكيف يكون الجمع بينه وبين غيره من الأدلة.
فالخلاف قد يكون سببه: ثبوت الدليل أو عدم ثبوته، وقد يكون سببه: اختلاف الفهم للدليل.
فالذي يريد أن يستغني عن كلام الأئمة ويأخذ بالدليل الذي يراه ويجعل خلاف الناس لفهمه هو خلافاً للدليل، هذا إنما يحذِّرُ الناسَ من التقليد للأئمة الكبار ثم يريد منهم أن يكونوا مقلدين له!

وليس معنى هذا الكلام: استنكار الاجتهاد من العلماء المتخصصين أهل الاجتهاد، وإنما هو استنكار لمن يريد الاجتهاد وهو لا يملك شيئاً من أداوته ..
وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً والحمدُ للهِ ربِّ العَالمين.

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 106
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست