نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1056
هذا زعم خاطئ قطعًا، فليست السلفية رد فعل من عوام الأمة في مواجهة تيار الفكر العقلاني لدى الفلاسفة والمتكلمين الذي ظهر وانتشر في العصر العباسي، فتمسك جمهور أهل السنة بالنصوص الشرعية وتقديم النقل على العقل إنما كان اتباعًا لجيل الصحابة -رضي الله عنهم- وأهل الحديث، وهو أمر سابق على ظهور حركة الترجمة والتأثر بطريقة المتكلمين التي سادت في العصر العباسي لدى الكثيرين من الفرق المخالفة لأهل السنة: كالمعتزلة والأشاعرة وغيرهما.
لأن السلفية بصفتها منهجًا لفهم الإسلام والتزامه، تمثلت في جيل الصحابة بصورتها الأنقى، ولهذا كانت الدعوة إلى السلفية دعوة إلى الرجوع لذلك المنهج، ولأن الدعوة إلى السلفية، أي إلى منهج صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نادى بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما في قوله:
(فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني)،
ونادى بها علماء الصحابة أنفسهم وتابعوهم قبل العصر العباسي، فهناك فَرْق بين ظهور المصطلح وبين وجود المنهج السابق على ظهور المصطلح.
فائدة:
ينبغي التفرقة بين السلفية كعقيدة ومنهج نشأ وتبلور في عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وبين مصطلح السلفية الذي ظهر متأخرًا في أيام الدولة العباسية بعد التأثر بحركة الترجمة للفلسفة اليونانية وعلومها.
فقبل ظهور مصطلح السلفية نسبة إلى السلف من الصحابة والتابعين كان هناك من يحمل عقيدة السلف ومنهجهم، وهم الذين سموا بأهل الحديث في فترة من الفترات، وسموا بأهل السنة والجماعة في فترة أخرى.
لذا فالسلفية كمصطلح هو مرادف لأهل السنة والجماعة ومرادف لأهل الحديث.
أما مصطلح السلفية فأطلق في مقابلة مصطلح "الخلف" لما أراد المتأخرون "الخلف" نصرة مذهب أهل السنة في ظنهم على طريقة المتكلمين زاعمين أن هذا المنهج -منهج المتكلمين- أعلم وأحكم فقام المتمسكون بمنهج السلف في الاستدلال بتسمية منهجهم: بالمنهج السلفي.
فالسلف في مقابلة الخلف اصطلاحًا.
7 - يتردد أحيانًا تعبير: "سلفية ما قبل الخلاف" و"سلفية ما بعد الخلاف" فماذا يعني هذا التعبير؟ وما هي الدلالة الفكرة المرادة بذلك؟
الخلاف المراد هنا الاختلاف الذي ظهر بين المسلمين في أمور العقيدة، وقد بدأ هذا الخلاف في أواخر عهد الصحابة في شكل آراء مبتدعة تخالف ما عليه الصحابة، ولكن هذه الآراء كانت لأفراد قلة منفردين، ثم تبعهم عليها آخرون: كالخوارج، والشيعة، والقدرية، ولكن هذه البدع العقائدية تبلورت في مدارس فكرية عقائدية في أوائل العصر العباسي، وتشعبت وتعددت وصارت لها فرق متعددة: كالمعتزلة، والكلابية، والأشاعرة، والماتريدية، والمرجئة .. الخ.
وسلفية ما قبل الخلاف: هي سلفية الإيمان لدى الصحابة وتابعيهم القريبين منهم، الذين كانوا يتلقون الإيمان من كتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأفواه الصحابة دون أن تسبق ذلك إلى فهومهم تصورات محددة يبنون ما تلقوه من النصوص عليها.
وسلفية ما بعد الخلاف: فهي المواقف التي اتخذها سلفيون بعد تبلور مدارس الخلاف العقدي، والتي يتمثل موقف الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- من المعتزلة في قضية خلق القرآن أبرز نماذج تمثلاتها الأولى.
وتتجلى سلفية ما بعد الخلاف في المؤلفات التي بُنيَت مسائلها اختيارًا وترتيبًا ودراسة على ما هو مثار في الساحة الفكرية -لعصر صاحبها- من مسائل خلافية في العقيدة.
فسلفية ما قبل الخلاف لدى الصحابة كانت تمثل الإسلام في مقابلة الجاهلية المحضة الموروثة معتقداتها قبل ظهور الإسلام. وسلفية ما بعد الخلاف تمثل الفهم النقي للإسلام في مواجهة المناهج الخارجة عن معتقدات الصحابة المأخوذة من الكتاب والسنة.
فسلفية ما قبل الخلاف: تعني العودة إلى الجيل الأول بفهمه للكتاب والسنة، والاستغناء بذلك عن البحث في الآراء في المسائل العقدية لدى الأمة بعد أن تفرقت وكثرت تياراتها الفكرية، بما في ذلك المؤلفات لعلماء السلفية في الرد على المخالفين في أصول العقيدة وبيان انحرافهم وتركهم للحق.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1056