responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 1  صفحه : 1959
وليس أحدٌ يقعد عن الحرب يريدُ بذلك الجبنَ؛ ولكنَّ الجبنَ هو الذي يُقعِد عن الحربِ.
وتقول: (جئتُ رغبةً في التعلم)، وأنت لم تجئ لترغبَ في التعلُّم؛ ولكنَّ الرغبةَ في التعلُّم هي التي جاءت بك؛ فهي سابقةٌ للمجيءِ.
ولا يصِحُّ أن يكونَ الفعلُ أو غيرُه من المتعلقات سابقًا للمفعول لأجله. وإنما وقعَ بعضُهم في هذا التوهُّم لأنَّهم وجدوا نحوَ قوله تعالى: ((يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذرَ الموت))، وجدوا الحذرَ ثابتًا بعد الفعلِ؛ وهو جعلُهم أصابعَهم في آذانهم، فظنُّوا أنَّه مسبَّب، لا سببٌ، وأنَّ الفعلَ هو السابقُ. وتفسيرُ هذا الأمرِ بما تقدَّم من أن الحذرَ – عند التأمُّل – هو الباعث لهم على هذا الفعلِ؛ فهو السابِقُ؛ غيرَ أنه لم يزل مقترنًا بالفعلِ بعد وقوعِه.
ولما كانَ المفعولُ لأجله هو الباعثَ على الفعلِ، كان يجِب أن يكونَ من أفعالِ الباطنِ التي لا تظهر على الجوارحِ، كالخوف، والمحبة، ونحوِها. ومنها الجوعُ؛ فإنَّه فِعلٌ كامنٌ لا تمثِّله الحواسُّ.
ولكن قد يأتي المفعولُ لأجلِه وظاهرُه أنه من أفعال الحواسِّ، ويكون على تقدير مضافٍ محذوفٍ إذا كان معلومًا بالسِّياقِ، كقولِك: (جئتُك ضربَ زيدٍ) تريدُ جئتُك ابتغاء ضربِ زيدٍ. وقد أجاز هذا من النحاة أبو عليّ الفارسيّ؛ وهو الصوابُ، لدليلِ القياس في الحذفِ، ودليل السماعِ؛ كقوله تعالى: ((ولا تمسكوهنَّ ضِرارًا لتعتدوا))؛ و (الضِّرار) من أفعال الحواسِّ، لا الباطنِ؛ وإنما ذلك على حذفِ مضافٍ مقدَّر بـ (ابتغاء)؛ فيكون حدّ الكلام (ولا تمسكوهنَّ ابتغاءَ الضِّرار)، ويكون (ابتغاء الضِّرار) سابقًا للإمساكِ.
ومنه أيضًا قولُه تعالى: ((والذين ينفقون أموالَهم رئاءَ الناسِ))؛ وذلك أن (الرئاء) فعلٌ حسيٌّ؛ فيكون التقدير: (والذين ينفقون أموالهم طلبًا لرئاء الناس).
وتقول على هذا: (ضربت الابن تأديبًا له) أي: (ضربتُه طلبًا لتأديبه)، لأن (التأديب) من أفعال الحواسِّ، وليس هو السببَ الذي حملك على ضربِه؛ إنما الذي حملك على ذلكَ طلبُه.
وأمَّا الحاليَّة، فقد قلتُ في موضع آخرَ:
[ولا يصِحّ أن يُّعرب المصدر حالاً إلا إذا جعلتَ صاحب الحالِ هو المصدر نفسَه على جهة المبالغةِ، كما قال تعالى: ((إنه عمَلٌ غيرُ صالحٍ))، وكما قالت العرب: (رجلٌ عدْل، وصومٌ، وضيفٌ، وزورٌ، وفِطرٌ ...)؛ فتقول: (جاء زيدٌ فرَحًا) بفتح الراء، إذا أردتَّ أن تبالغَ في فرحِه؛ فتجعله كأنَّه هو الفرحُ نفسُه. فأمَّا إذا لم يكن في المعنى ما يدعو إلى المبالغة، فلا يجوز أن يأتيَ المصدرُ حالاً. وذلك أنَّه إنما جاءَ حالاً مجازًا، لا حقيقةً؛ فأما في الحقيقة فهما شيئان متباينان؛ فالمصدرُ دالٌّ على المعنى وحده، والاسم المشتقّ دال على المعنى وصاحبه؛ فلم يكن العربُ ليضعوا هذا موضع هذا إلا لضربٍ من العَلاقة بينهما هو ما ذكرتُ لكَ. ولولا ذلكَ لم يجُز. أمَّا الآياتُ التي استُدلَّ بها على كثرة مجيءِ الحالِ مصدرًا، فبعضها مفعولٌ لأجله، كقوله تعالى: ((يدعون ربهم خوفًا وطمعًا))، وقوله: ((إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا))، وبعضُها مفعولٌ مطلقٌ، كقوله: ((ثم إني دعوتهم جهارًا))، لأنََّ (الجهار) نوعٌ من أنواعِ الدعوةِ. وبعضٌ قليلٌ يجوزُ أن يكون مفعولاً مطلقًا، ويجوز أن يكونَ حالاً على جهةِ المبالغةِ إذا اقتضاها المَقامُ، كقوله تعالى: ((من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وأنتم لا تشعرون)). وقلَّ أن يحتملَ المصدرُ الحاليَّة وحدَها دونَ غيرِها. وهذا كالمثال المتقدِّم ذكرُه: (جاء زيدٌ ضحِكًا) إذا أردتَّ أن تبالغَ في بيان ضحكِه. ولا يجوز أن يكون مفعولاً مطلقًا، لأن الضحكَ ليس من أنواعِ المجيءِ.

- وإذن، فليس الأمرُ كما زعموا من أنَّ المصادرَ جاءت أحوالاً بكثرةٍ. والعجيب أنَّهم مع ادِّعائهم كثرةَ ورودها لا يقيسونها؛ وقياسُها لازمٌ لهم. والذي أوقعَهم في هذا التناقضِ أنَّهم لم يمحصوا أولاً هذه الدَّعوى. ثمَّ لم يُحكموا ثانيًا علَّة ورود المصادر أحيانًا أحوالاً. ولا يرِدُ هذا على الرأيِ الذي رأيتُ، لأنَّه معلَّق بعلَّةٍ؛ وهي علَّة طلب المبالغةِ؛ فمتى وُجِدت هذه العلةُ، جازَ مجيء المصادر أحوالاً. وهذا ما يقضي به قانونُ النظرِ في عوائد التطور المنطقيَّة، سواءٌ على جهةِ الحقيقة، أم المجازِ، والنظرِ في دواعي تغيِّر الحقائقِ، وحلولِ بعضها مَحلَّ بعضٍ. وهذا قانونٌ نبَّهتُ إليهِ كثيرًا. وانظر تطبيقه هنا:

http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=1234

وهنا:

http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=1575

- فعلى هذا يجوز في (يقولون في الإسلام ظلمًا ...) أن تعربَ (ظلمًا) حالاً إذا أردتَّ المبالغةَ؛ وإن كانَ الأولى غيرَ ذلك، لأنه وإن كان جائزًا، فإنَّ سياقَ الكلامِ لا يدُلّ عليه؛ لقلَّة وروده في كلام العربِ؛ ألا ترى أنه قلَّ أن يقال: (مررت برجلٍ ظلْمٍ)، ونحوُه.].

وأنا أزيدُ الآنَ؛ فأكشِفُ عن بعضِ هذا التخليط بين الدّلالاتِ؛ فأقولُ:
إنَّ (جوعًا) - فوقَ ما ذكرتُ - لا يكاد يريدُ بها قائِلٌ الحالَ؛ فلو سألتَ الشاعر عن قوله: (تموتُ الأُسْدُ في الغاباتِ جوعًا)، هل تريدُ بـ (جوعًا) (جائعة)، لقال لك: لا؛ ولكنْ أريدُ أنها تموت بسبب الجوعِ. ونعم؛ دلَّت (جوعًا) على (جائعة)؛ ولكن باللزوم، لا بالمطابقة، لأنَّ موتَ الأُسْدِ بسبب الجوعِ مستلزِمٌ موتَها جائعةً، لا أنَّ (جوعًا) بمعنى (جائعة). وإذا ثبتَ هذا، لم يجُز أن تُعرَب حالاً إلا على سبيلِ المبالغة التي تقدَّم بيانُها.

وإنما أحببت أن أفصِّل في هذه المسألة لكثرة ما يقع فيها من المراء.
¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 1  صفحه : 1959
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست