نام کتاب : الإنسان بين الدينونة لله والدينونة لغيره نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 191
ومرة أخرى يكرر شعيب نصحه في صورة إيجابية بعد صورة النهي السلبية: «وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ» .. وإيفاء الكيل والميزان أقوى من عدم نقصهما، لأنه أقرب إلى جانب الزيادة.
وللعبارات ظل في الحس. وظل الإيفاء غير ظل عدم النقص، فهو أكثر سماحة ووفاء.
«وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ» .. وهذه أعم من المكيلات والموزونات. فهو يشمل حسن تقويم أشياء الناس من كل نوع. تقويمها كيلا أو وزنا أو سعرا أو تقديرا. وتقويمها ماديا أو معنويا. وقد تدخل في ذلك الأعمال والصفات. لأن كلمة «شيء» تطلق أحيانا ويراد بها غير المحسوسات.
وبخس الناس أشياءهم - فوق أنه ظلم - يشيع في نفوس الناس مشاعر سيئة من الألم أو الحقد، أو اليأس من العدل والخير وحسن التقدير .. وكلها مشاعر تفسد جو الحياة والتعامل والروابط الاجتماعية والنفوس والضمائر، ولا تبقي على شيء صالح في الحياة.
«وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» .. والعثو هو الإفساد، فلا تفسدوا متعمدين الإفساد، قاصدين إلى تحقيقه. ثم يوقظ وجدانهم إلى خير أبقى من ذلك الكسب الدنس الذي يحصلون عليه بنقص المكيال والميزان وبخس الناس أشياءهم في التقدير: «بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» ..
فما عند اللّه أبقى وأفضل .. وقد دعاهم في أول حديثه إلى عبادة اللّه وحده - أي الدينونة له بلا شريك -فهو يذكرهم بها هنا، مع ذكر الخير الباقي لهم عند اللّه إن آمنوا كما دعاهم، واتبعوا نصيحته في المعاملات. وهي فرع عن ذلك الإيمان.
«بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ .. إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» .. ثم يخلي بينهم وبين اللّه الذي دعاهم إليه، ويبين لهم أنه هو لا يملك لهم شيئا، كما أنه ليس موكلا بحفظهم من الشر والعذاب. وليس موكلا كذلك بحفظهم من الضلال ولا مسؤولا عنهم إن هم ضلوا، إنما عليه البلاغ وقد أداه: «وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ» .. ومثل هذا الأسلوب يشعر المخاطبين بخطورة الأمر، وبثقل التبعة، ويقفهم وجها لوجه أمام العاقبة بلا وسيط ولا حفيظ.
نام کتاب : الإنسان بين الدينونة لله والدينونة لغيره نویسنده : الشحود، علي بن نايف جلد : 1 صفحه : 191