بالحاضر والذاهب بالآتي، وبعض عظماء الرجال والنساء في الغرب يراودون لكتابة مذكراتهم بالملايين الطائلة، وما ذلك إلا لمعرفة دور النشر بالأهمية البالغة التي تمثلها هذه المذكرات، وإقبال الناس عليها إقبالاً منقطع النظير.
هذا وإنه في ديارنا العربية قصور كبير في التعامل مع المذكرات كتابة وقراءة، أما القراءة فلانصراف أكثر الناس عن قراءة كل نافع مفيد في المجالات الأدبية والاجتماعية والتاريخية والدعوية وغيرها، وأما كتابة الذكريات والمذكرات فإن أكثر العظماء عندنا - وما أكثرهم مقارنة بغيرنا من الأمم والشعوب- منصرفون عن هذه الكتابة لسبب أو لآخر، فيموت الواحد منهم عندما يموت وقد خلَّف حسرة في النفوس من ضياع تجارب كثيرة تناقلتها الألسن والأذهان ثم أصبحت في طيِّ النسيان كلها أو أكثرها، نعم إن بعض العظماء لا يتمكن من كتابة مذكراته لأنه غير آمن أن يؤاخذ بسببها، لكن ما لا يدرك جُلُّه لا يترك كله، ويمكن لكاتب الذكريات أن يكتب قدراً كبيراً من تجاربه من غير حرج ولا قلق [1].
والذي ينبغي على كل من يظن أن عنده تجارب تستحق الكتابة والنظر فيها ألا يتردد في كتابتها ولا يحقرنّها [1] انظر المبحث الثالث، العقبة الثالثة؛ ففيها شيء من التفصيل.