وعلى المحاضر أن يقلل من حركاته وإشاراته أثناء إلقاء المحاضرة، ولا يأتي بها إلا إذا دعت الحاجة إليها، كأن يشير بأصابعه على عدد معين في معرض تقسيم الأفكار، أو تعداد العناصر، أو يومئ بيده؛ لتوضيح فكرة يريد تثبيتها في ذهن الجمهور؛ لأن الإقلال من الحركات يدل على اتزان المحاضر ورجاحة عقله وقوة شخصيته، بل تكون المحاضرة أقرب إلى الكمال وأجدر بالاحترام والاهتمام.
وكم يعيب الداعية حين يقف في الناس محاضرًا وقد أقام الدنيا وأقعدها بجهورية صوته، وقوة لهجته، وثورة انفعاله، وكثرة حركاته وإشاراته، وكم تسقط مهابة الداعية أمام الجمهور حين تكثر حركات جسمه ورأسه ويديه وهو على منبر المحاضرة، كأنه يمثل على خشبة مسرح، أو يعطي الأوامر في جبهة حرب. ألا فليحذر الداعية في محاضراته هذه الانفعالات والحماس، وهاتيك الحركات والإشارات التي تتنافَى مع طبيعة المحاضرة وأصولها؛ ليظهر أمام سامعيه أكثر هدوءًا وأكمل اتزانًا وأقوى شخصيةً، وفي هذا نجاحه وتوفيقه في مجال التبليغ والدعوة إلى الله، والله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
وعلى الداعية أن يكون غرضه من كل محاضرة يلقيها -أو موضوع يعالجه- إحياء المشاعر الإلهية في النفوس، وبث معاني الخير والتقوى في القلوب، بل يجب على الداعية أن يكون له في مواقف المحاضرة أو الخطبة أو الدرس أو في أي موقف تبليغي دعوي هدفان أساسيان؛ الأول: علاج الموضوع الذي هو بصدده علاجًا شاملًا مستوعبًا، والثاني: إحياء المشاعر الربانية في نفوس المستمعين، على أن يكون الهدف الأول هو الوسيلة والثاني هو المقصود والغاية.
ولا شك أن الداعية حين يشعر السامع أن الله سبحانه معه ويراه ويعلم سره ونجواه، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنه مسئول أمام الله -عز وجل- عن