responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الوسطية في القرآن الكريم نویسنده : الصلابي، علي محمد    جلد : 1  صفحه : 156
فقد كان إبراهيم كثير الدعاء، حليما عمن ظلمه وأناله مكروها، ولهذا استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله: (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا* قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا *وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا) [مريم: 46 - 48].
فحلم عنه مع أذاه له، ودعا له، واستغفر [1] ولهذا قال تعالى: () [التوبة: 114]، وهكذا جميع الأنبياء والمرسلين، كانوا من أعظم الناس حلما مع أقوامهم في دعواتهم إلى الله تعالى [2].
ومن وراء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، يأتي الدعاة إلى الله والصالحون من أتباعهم، إذا كان الله -عز وجل- قد جعل محمدًا -صلى الله عليه وسلم- مثلا عاليا في الحلم، فقد أراد لأتباعه أن يسيروا على نهجه وسنته، ولذلك يقول تعالى عن الأخيار من هؤلاء: (فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا) [الفرقان:36]، فمن صفاتهم أنهم أصحاب حلم، فإذا سفه عليهم الجهال بالقول السيئ لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرًا كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما.
وينبغي أن يعلم أن الغضب لله يكون محمودًا، ولا يدخل في الغضب المذموم، فالغضب المحمود يكون من أجل الله عندما ترتكب حرمات الله، أو تترك أوامره ويستهان بها، وهذا من علامات قوة الإيمان ولكن بشرط أن لا يخرج هذا الغضب عن حدود الحلم والحكمة، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغضب لله إذا انتهكت محارمه، وكان لا ينتقم لنفسه، ولكن إذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء، ولم يضرب بيده خادمًا، ولا امرأة إلا أن يجاهد في سبيل الله، وقد خدمه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عشر سنوات، فما قال له أف قط، ولا قال له لشيء فعله: لم فعلت كذا؟، ولا لشيء لم يفعله ألا فعلت كذا [3].

[1] انظر: تفسير ابن كثير (2/ 396)، والبغوي (2/ 332).
[2] انظر: موسوعة الأخلاق للشرباصي (1/ 185).
[3] البخاري مع الفتح: كتاب الأدب، باب ما يجوز من الغضب لأمر الله (10/ 533).
نام کتاب : الوسطية في القرآن الكريم نویسنده : الصلابي، علي محمد    جلد : 1  صفحه : 156
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست