نام کتاب : تعدد الخلفاء ووحدة الأمة فقها وتاريخا ومستقبلا نویسنده : محمد خلدون مالكي جلد : 1 صفحه : 254
نعم، أصلح الله الأمير. قال: ما تقول في دماء بني أمية؟ قلت: لقد كان بينك وبينهم عهود، وكان ينبغي أن تَفُوا بها، قال: ويحك، اجعلني وإياهم لا عهد بيننا، فأجهشت نفسي وكرهت القتل، فتذكرت مقامي بين يدي الله فلفظتها، فقلت: دماؤهم عليكم حرام، فغضب وانتفخت أوداجه واحمرت عيناه، فقال لي: ويحك ولم؟! قلت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: ثيب زان، ونفس بنفس، وتارك لدينه» [1]، قال: ويحك، أوَ ليس الأمر لنا ديانة؟! قلت: كيف ذاك؟ قال: أليس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى لعلي؟! قلت: لو أوصى إليه ما حكَّم الحكمين، فسكتَ وقد اجتمع غضباً، فجعلت أتوقع أن يسقط رأسي بين يدي، فأومأ بيده أن أخرجوه» [2].
ويُروى كذلك أن الأوزاعي التقى بعد ذلك بأبي جعفر المنصور، فقال له: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بيده جريدة يستاك بها ويروع عنه المنافقين، فأتاه جبريل فقال: يا محمد ما هذه الجريدة بيدك؟! اقذفها، لا تملأ قلوبهم رعباً، فكيف بمن سفك دماءهم وأنهب أموالهم؟! [3].
الفقهاء والخلافة العباسية:
كان المسلمون من أهل السنة ينظرون إلى الخلافة العباسية على أنها خلافة شرعية، يجب طاعة خلفائها بمقتضى عقد البيعة بين الخليفة والرعية. ولعل نظرتهم - ولا سيما الفقهاء منهم - إلى الخلافة العباسية لا تختلف عن نظرتهم إلى الخلافة الأموية من ناحية استيفاء مقومات الشرعية، ولم يشذ عن هذا الموقف سوى طوائف الشيعة الذين كانوا يرون أن الخلافة يجب أن تكون في أبناء علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وأن العباسيين قد ابتزوهم حقَّهم، واستأثروا بالخلافة دونهم.
ولا ريب أن قوة الدعاية العباسية وبراعة تنظيمها هي التي هيأت الرأي العام الإسلامي لقبول خلافتهم، والاعتقاد بأنها خلافة شرعية ولا سيما أن العباسيين [1] صحيح البخاري: 6/ 2521 كتاب الديات، باب قول الله تعالى أن النفس بالنفس رقم (6484) عن ابن مسعود. صحيح مسلم: 5/ 106 كتاب القسامة والمحاربين، باب ما يباح به دم المسلم رقم (4468) عن ابن مسعود. وغيرهما. [2] سير أعلام النبلاء: 7/ 129. [3] حلية الأولياء للأصبهاني: 6/ 137. العقد الفريد لابن عبد ربه: 3/ 120.
نام کتاب : تعدد الخلفاء ووحدة الأمة فقها وتاريخا ومستقبلا نویسنده : محمد خلدون مالكي جلد : 1 صفحه : 254