نام کتاب : تعدد الخلفاء ووحدة الأمة فقها وتاريخا ومستقبلا نویسنده : محمد خلدون مالكي جلد : 1 صفحه : 253
لقد استهان العباسيون وعمالهم بدماء الأمويين، فسفكوها ظالمين بغير وجه حق، فلم يرحموا رجلاً ضعيفاً مهزوماً، ولا امرأة لم ترفع في وجههم سلاحاً، ولا طفلاً لا ذنب له إلا أنه خرج من أصلاب بني أمية، ولقد صدر العباسيون في انتقامهم من بني أمية عن حقد دفين وكراهية سوداء يحار الباحث في تعليل أسبابها، والكشف عن بواعثها، فلم يحدث من جانب الأمويين إساءة إلى بني العباس، بل ربطت بين الأسرتين علاقات طيبة تقوم على الخضوع والطاعة من جانب العباسيين، والاحترام والمودة من جانب الأمويين الذين أقطعوا أبناء عبد الله بن عباس قرية الحميمة من بلاد الشام - كما مرَّ بنا -، ولم يكن بين الأسرتين دم مراق، وحتى عندما اكتشف مروان بن محمد أمر الدعوة العباسية وقبض على إبراهيم بن محمد المُلقب بالإمام لم يقتله ولم يعذبه، بل وضعه في سجن حران مع نفر من الخصوم من البيت الأموي نفسه، ومات إبراهيم في السجن بسبب وباء وقع في حرَّان، وذلك حسب بعض الروايات [1]، وإن كان ثمة روايات أخرى تذكر أن مروان بن محمد قتله في محبسه.
وكذلك فإن الأمويين لم يكونوا يمثلون خطراً على الدولة العباسية الناشئة بعد أن زالت دولتهم وتهاوت أركانها، وثبتت أركان الدولة الجديدة، «لكنه الحقد الأسود من جانب أبي العباس وأهل بيته ضد الأمويين الذين كان من حظهم العاثر أن يظلهم زمن العباسيين، وأن يصطلوا بنار غضبه، مع أنهم لا ذنب لهم في شيء مما اتهمهم به» [2].
ولم يتردد الإمام الأوزاعي [3] - فقيه أهل الشام ومحدثهم- في إعلان هذه الحقيقة في وجه عبد الله بن علي العباسي بطل حادثة نهر أبي فطرس، وأحد أعنف أبناء البيت العباسي وأعظمهم سفكاً للدماء، قال الأوزاعي: لما قدم عبد الله بن علي الشام، وقتل بني أمية، جلس على سريره ثم بعث إليَّ فلما صرت إلى البيت أنزلوني عن دابتي، وأخذ اثنان بعضدي وأدخلوني بين الصفوف حتى أقاموني بحيث يسمع كلامي، فقال لي: أنت عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي؟ قلت: [1] تاريخ الطبري: 7/ 436 - 437. البداية والنهاية: 13/ 246 - 248. [2] العصر العباسي الأول للدكتور فهمي عبد الجليل محمود: ص 27. [3] انظر ترجمته في فهرس التراجم: رقم (32).
نام کتاب : تعدد الخلفاء ووحدة الأمة فقها وتاريخا ومستقبلا نویسنده : محمد خلدون مالكي جلد : 1 صفحه : 253