إذا أردنا الحديث عن الجهاد فإنه يحسن بنا أن نقرأ - ولو سريعاً - بعض الأحداث في فجر الإسلام، حين بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - رسولاً للعالمين، فتصدت له قريش، وآزرتها قبائل العرب، فأوقعوا النكال والتعذيب والقتل بالمؤمنين، والمؤمنون صابرون محتسبون ملتزمون بنهي الله لهم عن القتال، لقد أمرهم الله بالصبر: {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} (النساء: 77).
لكن الباطل أزبد وأصر على البغي، فأذن الله للمؤمنين المضطهدين بالقتال والذب عن أنفسهم {أُذِن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقديرٌ - الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله} (الحج: 39 - 40).
وبينت الآية نفسها مبلغ الفساد الذي يلحق البشرية على اختلاف أديانها إذا قصرت في رد المعتدي وزجره بالقوة التي يندفع بها عدوانه وتأمن بها المجتمعات {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ لهدمت صوامع وبيعٌ وصلواتٌ ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيزٌ} (الحج: 40).
وبينت الآية التي تلتها الصفات التي ينبغي أن يكون عليها أهل الإيمان الذين ينصرهم الله، فهم {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (الحج: 41).
ونهى الله نبيه والصحابة عن الاعتداء والبدء بالقتال {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين - واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين - فإن انتهوا فإن الله غفورٌ رحيمٌ - وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين - الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين} (البقرة: 190 - 194).