((ألا من قتل نفساً معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر ذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً)). (1)
إن الإسلام لم يحرم قتل أمثال هؤلاء فحسب، بل حرم ظلمهم وانتقاص حقوقهم والإضرار بمصالحهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الرحمة المسداة - يحاج يوم القيامة المسلمين الذين يظلمون هؤلاء، ويجعل نفسه الشريفة خصماً للمعتدي عليهم، فيقول: ((من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة)). [2] فالظلم -لأي أحد -يغضب الله الذي يقبل شكاة المظلوم على ظالمه -ولو كان المظلوم غير مسلم، فالله يجيب دعوته على ظالمه المسلم، يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((اتقوا دعوة المظلوم -وإن كان كافراً -فإنه ليس دونها حجاب)) [3]، فالله حرم الظلم على ذاته العلية، وكذلك حرَّمه على سائر خلقه، ففي الحديث القدسي أن الله تعالى يقول مخاطباً البشر جميعاً: ((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً؛ فلا تظالموا)). (4)
إن ظلم الحيوان يستوجب لصاحبه النار، فما بالنا بظلم الإنسان لأخيه الإنسان، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض)). (5)
وهكذا فالإسلام أبعد الأديان عن الظلم وأكثرها تنديداً به وامتناعاً عنه، لكن ذلك لا علاقة له من قريب أو بعيد بشرعة الجهاد التي يقررها الإسلام، ردعاً للظالم وزجراً للباغي وصوناً للإيمان وحرية العباد في عبادة الله.
(1) أخرجه الترمذي ح (1403)، وابن ماجه ح (2687). [2] أخرجه أبو داود ح (3052)، ونحوه في سنن النسائي ح (2749)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ح (2626). [3] أخرجه أحمد ح (12140).
(4) أخرجه مسلم ح (2577).
(5) أخرجه البخاري ح (3318)، ومسلم ح (2619).