وجملة القول أن الوسطية هي تحقيق لمبدأ التوازن الذي تقوم عليه سنة اللَّه في خلقه. يقول تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [1] ، أي بمقدار وبميزان، ووفق نظام رباني ومشيئة إلاهية، ولحكمة أرادها اللَّه تعالى. ويقول اللَّه تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [2] أي وفق تقدير مسبق وثوابت وسَنَن لا تبديل لها. وهذا التوازن الذي يعني في الوقت نفسه الاعتدال، والتكافؤ بين العناصر والمقومات والمكونات جميعاً والتكامل فيما بينها، هو القاعدة الثابتة للوسطية، وهو الخاصية الجوهرية التي تتميّز بها، فإذا انتفى هذا التوازن، فقدت الوسطية عنصرها الأساس، لأنها في هذه الحالة تميل مع الأهواء، فتصبح تفريطاً أو إفراطاً، وهما بابان من أبواب التطرف في أحد الاتجاهين الإيجابي أو السلبي، وإن كان لا خير في التطرف من حيث هو، وإن حسنت النوايا، لأنه شرٌّ كلّه وعاقبته وخيمة في جميع الأحوال. [1] القمر، الآية 49. [2] الفرقان، الآية 2.