والشكر للّه .. ويمضي أحيانا عن طريق الهزيمة والكرب والشدة. فتلجأ إلى اللّه، وتعرف حقيقة قوتها الذاتية، وضعفها حين تنحرف أدنى انحراف عن منهج اللّه. وتجرب مرارة الهزيمة وتستعلي مع ذلك على الباطل، بما عندها من الحق المجرد وتعرف مواضع نقصها وضعفها، ومداخل شهواتها، ومزالق أقدامها فتحاول أن تصلح من هذا كله في الجولة القادمة .. وتخرج من النصر ومن الهزيمة بالزاد والرصيد .. ويمضي قدر اللّه وفق سنته لا يتخلف ولا يحيد ..
وقد كان هذا كله طرفا من رصيد معركة أحد الذي يحشده السياق القرآني للجماعة المسلمة - على نحو ما نرى في هذه الآيات - وهو رصيد مدخر لكل جماعة مسلمة ولكل جيل من أجيال المسلمين." (1)
وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (10) سورة الزمر
يَأَمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ الكَرِيمَ بِأَنْ يَعِظَ المُؤْمِنينَ، وَبِأَنْ يَأْمُرَهُمْ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، وَالثَبَاتِ عَلَى طَاعَتِهِ، وَبِأَنْ يَذْكُرَ لَهُمْ أَنَّهُ مَنْ أَحْسَنَ مِنْهُمُ العَمَلَ فَلَهُ الجَزَاءُ الحَسَنُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وَأَنْ يَقُولَ لِلْمُؤْمِنِينَ مُرَغِّباً إِيَّاهُمْ فِي الهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ: إِنَّ أَرْضَ اللهِ وَاسِعَةٌ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِيعُوا القِيَامَ بِعِبَادَةِ رَبِّهِمْ فِي البَلَدِ الذِي هُمْ فِيهِ، فَعَلَيهِم الهِجْرَةُ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ تَتَوَفَّرُ فِيهِ حُرِّيَةُ العِبَادَةِ، وَإِن الله يُوفِّي الصَّابِرِينَ عَلَى الابْتِلاَءِ، ثَوَابَ أَعْمَالِهِمْ، وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ مَا شَاءَ بِغَيِرِ حِسَابٍ. (2)
" فهو نداء من رب كريم إلى عباده الذين آمنوا به، واستجابوا لرسوله، بعد أن سمعوا آيات ربّهم، وعرفوا مواقع الحق منها .. وفى هذا النداء الكريم يستدعيهم ربهم إليه بالتقوى التي تقربهم منه، وتدنبهم من رحمته وإحسانه ..
فالإيمان هو أول خطوة إلى اللّه .. والوقوف عند هذه الخطوة تقصير بالإيمان وتعطيل لمعطياته التي كان جديرا بالمؤمن أن يحصل عليها بإيمانه .. والعمل بهذا الإيمان، والغرس فى
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1/ 483)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1/ 3947)