وأنهم إن يكونوا قد أصيبوا اليوم بما يؤلم ويوجع، فقد أصابوا هم أعداءهم بما يؤلم ويوجع! ثم ليعلم المؤمنون من هذا أن طريقهم فى مسيرتهم مع الإسلام ليست كلها يوما واحدا كيوم بدر، بل إنهم سيغلبون ويغلبون، ويقتلون ويقتلون، ويصيبون ويصابون .. وهكذا الدنيا .. وتلك سنّة الحياة فيها .. لا تدوم على وجه واحد، بل هى وجوه متقلبة متغيرة! تقبل وتدبر، وتضحك وتبكى ..
وذلك هو الذي يعطى الحياة حيوية، وهو الذي يغرى الناس بالسعي والعمل، لينتقلوا من حال إلى حال، ومن وضع إلى وضع .. ولو أخذ الناس بوضع ثابت مستقر ـ ولو كان ذلك فى أحسن حال، وأمكن وضع ـ لماتت فى أنفسهم نوازع التطلعات إلى المستقبل، ولخمدت فيهم جذوة الحماس للكفاح والنضال.
وقوله تعالى: «وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ» بيان لحكمة اللّه من هذا الابتلاء .. ففى هذا الابتلاء، وتحت وطأة القتال، ينكشف إيمان المؤمنين، ويعرف ما عندهم من صدق وبلاء .. فيكتب لهم ما كان فى علم اللّه، وما وقع منهم، وهو أنهم مؤمنون مجاهدون! وفى قوله تعالى: «وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ» إشارة إلى أن جماعة المؤمنين الذين كانوا مع النبىّ فى أحد ـ كانوا جميعا على درجة عالية من الإيمان، وأنّ أنزلهم درجة فى هذا الإيمان كان مؤهلا لأن يكون فى عداد الشهداء، ولهذا جاء قوله تعالى: «وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ» خطابا لهم جميعا، وكان نسق النظم أن يجىء هكذا: «وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ»، ولكنّ هذا يعزل بعض المجاهدين عن أن يكونوا فى المؤمنين، الصالحين لأن يتخذ اللّه منهم شهداء ..
وفى قوله تعالى: «وَيَتَّخِذَ» إشارة كريمة إلى هذا المقام الكريم الذي يرتفع إليه الشهداء، وأنهم خيار المؤمنين، والمصطفين منهم، ولهذا اتخذهم اللّه شهداء .. إذ الاتخاذ أخذ عن اختبار واختيار .. وفى قوله تعالى: «وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» تحريض للمسلمين على قتال المشركين، واحتمال المكروه فى سبيل إضعافهم أو القضاء عليهم، لأنهم ظالمون لأنفسهم، بصرفها عن الهدى إلى الضلال، وظالمون للإنسانية إذ هم قوى شريرة عاملة على طمس معالم الهدى وصدّ الناس عن الخير .. «وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» ومن لا يحبّه