نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 315
بنا وأنها ربتني وأولتني من حبها، لا أقول مثل الذي أولَتني أمي ولكن قريباً منه، لقد كبرت ولا أعتبرها إلاّ قريبة لي. جاءت تخبرنا أن أمي في المخاض، وهي تريد أن تأخذنا إليها وتأخذ القابلة في طريقها. وكانت بين الأحياء بوّابات تُغلَق بعد العشاء ويقوم الحارس من ورائها فلا يفتح إلاّ لمن عرفه واطمأنّ إليه، فنادينا من وراء البوّابة: "قضية ولادة، نريد أن نأتي بالقابلة" ففتح لنا.
* * *
وكنت أسمع من صغري أن لي عماً في إسطنبول يلاحق دعوى قضائية على وقف بيننا وبين آل الصلاحي، بقيَت في المحاكم ما بين دمشق وإسطنبول ... تدرون كم؟ قد لا تصدقون إن قلت لكم (وما أقوله الحقّ) ثلاثاً وثمانين سنة! مات من أقام الدعوى ومات من أقيمت عليه، ومات أولادهم وجئنا نحن، فما أدري والله هل كان الحقّ معنا أم كان علينا، ولكن أهل «باب المُصلّى» في دمشق يسمّون البستان المتنازَع عليه «جنينة الطنطاوي»، والله أعلم. فما قيمة حقّ يصل إليه صاحبه بعدما يموت هو ويموت ولده؟ أتدعو ضيفاً إلى عشاء فتؤخّره حتى يموت من الجوع، ثم تتصدّق به على قبره؟ وكنت أسمع أن لي خالاً في مصر يكتب في الصحف في المؤيّد والأهرام، وله مطبعة وله مجلّة، ثم قدم أيام الاستقلال ثم حُكم عليه بعد ميسلون ففرّ إلى مصر. وكنت أحب السفر إلى مصر لألقاه.
وجاء يوم السفر، وكان اليوم الثامن والعشرين من أيلول (سبتمبر) سنة 1928، وجئت محطّة الحجاز، هذه العمارة التي
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 315