نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 244
أأشقى به غرساً وأجنيه ذلّةً ... إذنْ فاتّباعُ الجهلِ قد كانَ أحزما
لست أذكر كم لبثت في هذا السجن المزري، ولكني أذكر أني ضقت به يوماً ذرعاً فخرجت منه، وصرت محاسباً أو كاتباً أو ما لست أدري عند شريكَين (مسلم ونصراني) في «الخريزاتية»، وهي شعبة من سوق «البزورية». اشتغلت معهما مدّة، ثم اطّلعت على أن عملهما غشّ السَّمْن وخلطه بما ليس منه وبيعه على أنه سمن عربي خالص، وصنع الصابون مغشوشاً.
وكان الصابون يُعمَل بزيت الزيتون، لم تكُن قد جاءت هذه الأنواع من الصابون الإفرنجي المعطّر الملفوف بطبقات من الورق الصقيل المربوط أحياناً بشريط، فهو متعة للبصر وللشم، أما الدهن الذي صُنع به فليس من زيت الزيتون كما كنا نصنع في نابلس وفي حلب والشام، فهذا عمل أبناء العالَم الثالث، أما المتحضرون من أهل العالَم الأول فيأخذون الدهن من جيَف الحيوانات الميتة ويستخرجونه من مياه المراحيض، يجرّدونه ممّا علق به ويمزجونه بعطور لاتُستخرج من الورد ولا من الزهر بل تستخرجها الكيمياء من القَطِران [1]، لها ريح الورد والفلّ والياسمين وما ثَمّ ياسمين ولا فل ولا ورد.
فتركت الشريكَين الغشّاشَين واشتغلت عند تاجر خيطان أعرفه في خان في سوق الخياطين، فسمعت جاراً له كان عنده لما جئته يقول له: هؤلاء الأفندية من تلاميذ المدارس مُتعِبون، فكُلْه قبل أن يأكلك، ولا تدعه يقعد وراء المكتب بل شغّله يُنزِل [1] هذه حقيقة علمية.
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 244