نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 203
وجاءنا مدرّس جديد فقعد على الكرسي، وما كان الشيخ سلام ولا الشيخ المبارك يقعدان أبداً، وفتح كتابه وجعل يقرّر الدرس بصوت خافت لا يكاد يُسمَع. وكان هو الأستاذ سليم الجندي.
وكانت صدمة، وكانت خيبة للآمال، وكانت فجيعة. ووصل إليّ «الدور» فأقامني على اللوح، وأملى عليّ بيتين للمعرّي وقال: اقرأ، وفسّر، وأعرب.
وانطلقت أخطب في موضوع البيتين خطبة حماسية مجلجلة كما علّمَنا الشيخ سلام، وإذا بالأستاذ الجديد يبتسم ابتسامة أحسَسْتُ كأنها كوب ماء على نار حماستي، بل كأنها سِكّين غُرست في قلبي. وقال بهدوئه الساخر ولهجته التي لها نعومة السكّين وحدّها، قال: بعد، بعد. فسّر أوّلاً معاني الكلمات الغريبة. فوقفت. ثم سألني عن دقائق الإعراب فوقفت وقفة أخرى، فقال لي: أرأيت؟ أتبني الدار قبل نحت الحجارة؟
ورأيتني -حقاً- أبني الدار قبل نحت الحجارة؛ أي أبني دوراً في الهواء! وصغُرت عليّ نفسي بمقدار ما كبُر الأستاذ في نظري. وعدت أبدأ قراءة النحو والصرف من جديد، وكان الكتاب الذي نقرؤه هو «قواعد اللغة العربية»، وهو الجزء الرابع من الدروس النحوية لحفني ناصف وإخوانه، وقد قرأت الأجزاء الثلاثة من قبل. وهذا الكتاب يغني الطالب (بل المدرّس، بل الأديب) عن النظر في غيره، وهو أعجوبة في جمعه وترتيبه وإيجاز عبارته واختياره الصحيح من القواعد، وهو أصح وأوسع من شذور الذهب ومن ابن عقيل!
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 203