نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 188
لم يخطب الشيخ رضا الجندَ ليحمّسهم ويدفعهم إلى الموت ثم يأوي إلى خيمته ليأكل وينام، بل خطبهم وصاح «الله أكبر» وأقدم، فطارت به قنبلة مدفع من مدافع الإنكليز، فما وجدوا له جسداً يُدفَن، لم يُقَمْ له قبر ولكن أقيم له في قلوب الناس حُسن الذكر، وثبت له عند الله جزيل الأجر، وهذا دعاء لله وليس تألّياً على الله.
* * *
أعود إلى حديث جدّي. كان جدّي نظامياً بطبعه، وزاده عمله في الجيش التزاماً بالنظام وحرصاً على الترتيب، فكانت حياته كحياة تلميذ في مدرسة داخلية، كل حركة فيها بحساب وكل عمل له وقت. فكأنها كانت -على طولها- يوماً واحداً يتكرر؛ منامه في موعد محدّد، وقيامه في موعد محدّد. كانوا يومئذٍ يأكلون مرتين فقط، الفطور بعد صلاة الفجر، والعَشاء بعد العصر. كان عَشاءً مبكّراً أو غداء متأخراً، فليس المهمّ الاسم، بل أن يكون الساعة الثامنة الغروبية (إذ لم يكُن التوقيت الزوالي مألوفاً) [1]، لا يتقدم عنها ولا يتأخر، إلاّ إذا خرجَت الأرض عن مدارها أو أسرعَت في مسارها، أو غابت الشمس قبلَ حين غيابها. وطالما كان يُولِم الولائم يدعو إليها كبار قادة الجيش أو وجهاء البلد، فإذا بلغت الساعة الثامنة باشر الأكل مع من حضر، وإن لم يحضر أحدٌ شرع يأكل وحده. [1] الساعة الغروبية يعاد ضبطها في لحظة الغروب كل يوم على الثانية عشرة. ومعنى هذا أن وقت عشاء الشيخ أحمد الطنطاوي كان قبل الغروب بأربع ساعات، سواء أكان الوقت صيفاً أم شتاء (مجاهد).
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 188