responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين نویسنده : سليمان الأشقر، عمر    جلد : 1  صفحه : 393
ولقد أخطأ بعض المسلمين [1] عندما ساروا على درب أولئك الذين فشلوا في تجربتهم، وأضاعوا أعمارهم في غير ما فائدة، أخطأوا عندما لم يعتبروا من التاريخ، ولم يستفيدوا من دروسه، وأخطأوا ثانيا عندما ظنوا أنَّ الإسلام أمرهم بهذا وحثهم عليه.
الإسلام لم يأتنا لننبذ الحياة وراء ظهورنا، ولنطمس الميول التي تدعونا إلى نيل محبوباتها التي خلقها الله، إنما جاء ليوضح لنا المنهج الذي نسلكه في نيلنا لهذه التي لا تقوم حياتنا إلا بها، ودعانا لاتباع السبيل الذي يحبُّه ويريده لنا، إنه لا يريدنا في مسيرتنا إليه أن نتجرد من نوازعنا ونحرم ما خلقه لنا: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [2]، وكيف تحرم وقد خلقت من أَجلنا؟ {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [3]. فتناول هذه المحبوبات والمشتهيات من حيث يريد الله هو في ذاته محبوب مرض لله، وهو معين على طاعة الله، فالإطعام من الحلال للنفس ولمن يعوله الإِنسان صدقة،

[1] أحد الأسباب الرئيسية التي وجهت هؤلاء هذه الوجهة أنهم أخطأوا في فهم النصوص الذامّة للدنيا، فظنوا أنَّ المراد هجران الدنيا والبعد عنها وتركها كليّا، وقد سهل علينا فهم هذه المسألة ذلك الصحابي الذي سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يخطب، ومما قاله: "إن مما أخاف عليكم منْ بعدى ما يفتح عليكم من زهرَة الدنيَا وزينتها، فقال ذلك الرجل: "يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقيل للرجل: ما شأنك تكلم النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يكلمك؟ فرأينا أنه ينزل عليه. قال فمسح عنه الرحضاء، فقال: "أين السائل -وكأنه حَمده- فقال: إنه لا يأتي الخير بالشر، وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم، إلا آكلة الخضراء، أكلت حتَّى إذا امتدت خاصرتاها، استقبلت عين الشمس، فثلطت، وبالت، ورتعتْ. وإن هذا المالَ حلوة خضرة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل -أو كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنه من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدًا عليه يوم القيامة".
رواه البخاري في صحيحه (انظر فتح الباري 3/ 327) (الربيع: الينبوع أو الجدول المتدفق). فالرسول -صلى الله عليه وسلم -، يقرر أن الخير الذي جعله الله لعباده لا يأتي بالشر بذاته، ولكن الشر يأتي من الطريقة التي يتناول الإنسان بها المال، وضرب لذلك مثلا بالنبات الذي ينبت على مياه الجداول والعيون، فإنه خير جاء من خير، ولكن البهائم قد تتناول منه، وتأكل بلا توقف، حتى يمتلىء بطنها، وينتفخ، ولا تستطيع له تصريفا، فيقتلها شربها، ويودي بحياتها، وأما البهائم التي تأكل أطيب العشب، وتأكل بمقدار لا يضرّ بها، وتصبر حتى تستطيع أن تصرف ما أكلته، ثم تعود من جديد، فإن العشب لا يكون إلا خيرا لها. وجامع المال من غير حله، والمنفق وقته وتدبيره في هذا، يجمع ولا يعطي، ويكدس المال في ليله ونهاره، مثله كمثل الحيوان الذي يقتله طعامه، أما الذي يأخذه من حلّه ويعطي حقه، وينفق على من يستحق، فهذا يعود عليه المال بالخير في الدنيا والآخرة.
[2] سورة الأعراف/ 32.
[3] سورة الأعراف/ 32.
نام کتاب : مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين نویسنده : سليمان الأشقر، عمر    جلد : 1  صفحه : 393
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست