وصاحب المراقبة يدع المعاصي استحياءً من ربه وهيبةً له أكثر مما يدعها خوفاً من عقوبته.
ألا ما أجهل الإنسان بربه حين يكفر به ويعصيه، ولا يكفيه ذلك حتى يزجر من يؤمن به ويطيعه: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)} [العلق: 9 - 14].
وإن الإنسان ليرجف ويضطرب فؤاده حين يشعر أن سلطان الأرض يراقبه بجواسيسه وعيونه، مع أن سلطان الأرض مهما تكن عيونه لا يراقب إلا حركة الإنسان الظاهرة، وهو يحتمي منه إذا آوى إلى داره، أو إذا أغلق فمه. أما قبضة الجبار فهي مسلطة عليه ترقبه أينما حل وأينما سار في كل وقت.
وأما رقابة الله فهي مسلطة على الأقوال والأعمال، والضمائر والأسرار.
وخالق الإنسان أدرى بتركيبه وسره، فالعبد مكشوف الكنه والوصف والسر لخالقه العظيم، العليم بمنشئه وحاله ومصيره، وهو سبحانه أقرب إلى أحدنا من حبل الوريد الذي يجري فيه الدم كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)} [ق: 16].
فسبحان الله .. ما أعظم هذه القبضة المالكة، والرقابة الشديدة المباشرة لجميع ما في هذا الكون من خالقه.
وإذا علم الإنسان ذلك، فهو كاف له أن يعيش في حذر دائم، وخشية دائمة، ويقظة لا تغفل عن المحاسبة، تدفعه إلى حسن العمل ودوامه.
وقد أحكم الله عزَّ وجلَّ الرقابة على هذا الإنسان .. فهو يعيش ويتحرك وينام .. ويأكل ويشرب .. ويتحدث ويصمت .. ويقطع الرحلة كلها بين يدي ملكين موكلين به عن اليمين والشمال .. يتلقيان منه كل حركة .. وكل كلمة .. ويسجلانها فور وقوعها .. لتكون في سجل حساب هذا الإنسان: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [ق: 17، 18].